لمقتوه، بل سعوا في تلف روحه وإهلاكه، فانظر كيف ستر عن غيره أسراره وعوارفه؟.
والثالث: مغفرة ذنوبه التي كان يستحق الافتضاح بها، على ملأ من الخلق، وقد وعد أن يبدل من سيئاته حسنات، ليستر مقابح ذنوبه، بثواب حسناته، إذا مات على الإيمان، وحظ العبد من هذا الاسم، أن يستر من غيره ما يحب أن يستر منه، وقد قال النبي - ﷺ -: «من ستر على مؤمن عورته، ستر الله عورته يوم القيامة». والمغتاب، والمتجسس، والمكافىء على الإساءة بمعزل عن هذا الوصف، وإنما المتصف به من لا يفشي من خلق الله، إلا أحسن ما فيهم، ولا ينفك مخلوق عن كمال، ونقص، وعن قبح وحسن، فمن تغافل عن المقابح، وذكر المحاسن، فهو ذو نصيب من هذا الاسم والوصف، كما روي عن عيسى عليه السلام: أنه مر مع الحواريين بكلب ميت، قد غلب نتنه، فقالوا: ما أنتن هذه الجيفة؟ فقال عيسى عليه السلام: ما أحسن بياض أسنهانها، تنبيهًا على أن الذي ينبغي أن يذكر من كل شيء، ما هو أحسنه.
وبعد أن ذكر الدلائل التي بثها في العالم العلوي.. أردفها ذكر الدلائل التي أودعها في العالم السفلي، وبدأها بخلق الإنسان؛ لأنه أعجب ما فيه، لما فيه من العقل، وقبوله الأمانة الإلهية، ولله در من قال:

وَتَزْعُمُ أَنَّكَ جُرْمٌ صَغِيْرُ وَفِيْكَ انْطَوَى الْعَالَمُ الأَكْبَرُ
٦ - ﴿خَلَقَكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى، أيها الناس جميعًا، على اختلاف ألسنتكم وألوانكم ﴿مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ هي نفس آدم، عليه السلام ﴿ثُمَّ جَعَلَ﴾؛ أي: خلق ﴿مِنْها﴾؛ أي: من جنس تلك النفس الواحدة، أو من قصيراها، وهي الضلع التي تلي الخاصرة، أو آخر الأضلاع من جهة السيار ﴿زَوْجَها﴾ حواء. و ﴿ثُمَّ﴾ عطف على محذوف، هو صفة لنفس؛ أي: خلقكم من نفس واحدة خلقها، ثم جعل منها زوجها فشفعها، وذلك فإن ظاهر الآية يفيد أن خلق حواء بعد خلق ذرية آدم، وليس كذلك. وفيه إشارة إلى أن الله تعالى، خلق الإنسان من نفس واحدة هي الروح، وخلق منها زوجها، وهو القلب، فإنه خلق من الروح كما خلقت


الصفحة التالية
Icon