ثمانية أزواج؛ أي: خلق فيكم من صفات الأنعام ثماني صفات، وهي الأكل والشرب، والتغوط والتبول، والشهوة والحرص، والشره والغضب، وأصل جميع هذه الصفات، الصفتان الاثنتان: الشهوة والعضب، فإنه لا بد لكل حيوان من هاتين الصفتين، لبقاء وجوده بهما، فبالشهوة يجلب المنافع إلى نفسه، وبالغضب يدفع المضرات.
ثم ذكر سبيل خلق ما ذكر، من الأناسي والأنعام، فقال: ﴿يَخْلُقُكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى، أيها الناس ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾؛ أي: في
أرحامهن ﴿خَلْقًا﴾ كائنًا ﴿مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾؛ أي: خلقًا مدرجًا حيوانًا، سويًا من بعد عظام مكسوة لحمًا، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ مخلقة، من بعد مضغ غير مخلقة، من بعد علقة من بعد نطفة، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوارًا (١٤)﴾ قاله قتادة والسدي. وقال ابن زيد: خلقكم خلقا في بطون أمهاتكم، من بعد خلقكم في ظهر آدم، عليه السلام. وقوله: ﴿فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾ متعلق بقوله: يخلقكم وهي ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، قاله مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك. وقال سعيد بن جبير: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة الليل. وقال أبو عبيدة: ظلمة صلب الرجل، وظلمة بطن المرأة، وظلمة الرحم، والخلق في بطون الأمهات. حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان. وإنما قال: ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ لتغليب من يعقل، ولشرف الإنسان على سائر الخلق، والمشيمة بفتح الميم: محل الولد؛ أي: الجلد الرقيق المشتمل على الجنين.
والمعنى: أي يبتدىء خلقكم أيها الناس، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق. فيكون أحدكم أولًا نطفة، ثم يكون علقة، ثم يكون مضغة، ثم يكون عظمًا وعصبًا، ثم يكون لحمًا، وينفخ فيه الروح، فيصير خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين ﴿فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾؛ أي: في ظلمات أغشية ثلاثة، جعلها المولى سبحانه وقاية، للولد، وحفظًا له من التعفن.
وقرأ عيسى، وطلحة: ﴿يخلقكم﴾ بإدغام القاف في الكاف، وقرأ حمزة: ﴿أمهاتكم﴾ بكسر بالهمزة، والميم، وقرأ الكسائي: بكسر الهمزة، وفتح الميم،