تعالى، غني عن إيمانكم وشكركم؛ أي: غير محتاج إليكم، ولا إلى إيمانكم، ولا إلى عبادتكم له، فإنه الغني المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله. ﴿وَ﴾ مع كون كفر الكافر لا يضره، كما أنه لا ينفعه إيمان المؤمن، فهو أيضًا ﴿لا يَرْضى لِعِبادِهِ﴾؛ أي: لأحد من عباده ﴿الْكُفْرَ﴾؛ أي: لا يحبه، ولا يأمر به، وإن تعلقت به إرادته تعالى من بعضهم؛ أي: عدم رضاه بكفر عباده، لأجل منفعتهم ودفع مضرتهم رحمة عليهم، لا لتضرره تعالى به، وإنما قال: ﴿لِعِبادِهِ﴾ ولم يقل: لكم، لتعميم الحكم للمؤمنين والكافرين، وتعليله بكونهم عباده.
واعلم (١): أن الرضا ترك السخط، والله تعالى لا يترك السخط في حق الكافر؛ لأنه لسخطه عليه أعد له جهنم، ولا يلزم منه عدم الإرادة، إذ ليس في الإرادة ما في الرضا من نوع استحسان، فالله تعالى مريد الخير والشر، ولكن لا يرضى بالكفر والفسوق، فإن الرضا إنما يتعلق بالحسن من الأفعال دون القبيح، وعليه أهل السنة، وكذا أهل الاعتزال، وفي «الخازن»: الرضا عبارة عن مدح الشيء، والثناء عليه بفعله، والله تعالى لا يمدح الكفر، ولا يثني عليه، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد، وقد لا يرضى به، ولا يمدح عليه، وقد بان الفرق بين الإرادة والرضا، انتهى.
والمعنى: أي لا يُحب لعباده الكفر، ولا يأمر به؛ لأنه مانع من ارتقاء النفوس البشرية، بجعلها ذليلة خاضعة للأرباب المتعددة والمعبودات الحقيرة، من الخشب والنصب، وممن يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
ثم لما ذكر سبحانه: أنه لا يرضى لعباده الكفر، بيّن أنه يرضى لهم الشكر، فقال: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا﴾؛ أي: وإن تؤمنوا به تعالى، وتوحدوه، يدل عليه، ذكره في مقابلة الكفر. ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾؛ أي: يرض الشكر، ويحبه عنكم، ويثيبكم عليه، وإنما رضي لهم سبحانه الشكر؛ لأنه سبب سعادتهم في الدنيا والآخرة، ولأنه على مقتضى السنن القويم والصراط المستقيم العادل، كما قال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ