كَفَّارٌ}. وفيه (١) إشارة، إلى أن من طبيعة الإنسان، أنه إذا مسه ضرب خشع وخضع وإلى ربه فزع، وتملق بين يديه وتضرع. ﴿ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ﴾ وأعطاه ﴿نِعْمَةً﴾ عظيمة صادرة ﴿مِنْهُ﴾ تعالى، حاصلة من جنابه، وأزال عنه ضره، وكفاه أمره، وأصلح باله، وأحسن حاله ﴿نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ﴾؛ أي: نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه عنه ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل أن يخوله ما خوله، كقوله تعالى: ﴿مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾، وقيل: نسي الدعاء الذي كان يتضرع به، وتركه. أو نسي ربه الذي كان يدعوه، ويتضرع إليه إما بناء على أن ﴿مًا﴾ بمعنى: من كان في قوله تعالى: ﴿وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣)﴾، وإما إيذانًا بأن نسيانه، بلغ إلى حيث لا يعرف مدعوه ما هو، فضلًا عن أن يعرفه من هو، فيعود إلى رأس كفرانه، وينهمك في كبائر عصيانه، ويشرك بمعبوده، ويصر على جحوده، وذلك لكون دعائه المحسوس معلولًا بالضر الممسوس، لا ناشئًا عن الشوق إلى الله المأنوس. وهو معنى قوله: ﴿وَجَعَلَ﴾ ذلك الإنسان ﴿لِلَّهِ﴾ سبحانه ﴿أَنْدادًا﴾؛ أي: شركاء من الأصنام أو غيرها يستغيث بها، ويعبدها ﴿لِيُضِلَّ﴾ الناس بذلك ﴿عَنْ سَبِيلِهِ﴾ تعالى؛ أي: عن طريق الله التي هي الإسلام والتوحيد.
وقرأ الجمهور: ﴿لِيُضِلَّ﴾ بضم الياء؛ أي: ما اكتفى بضلال نفسه حتى جعل غيره يضل. وقرأ (٢) ابن كثير، وأبو عمرو، وعيسى: بفتحها.
ثم أمر الله سبحانه، رسوله - ﷺ -، أن يهدد من كان متصفًا بتلك الصفة، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد تهديدًا لذلك الضال المضل، وبيانًا لحاله ومآله: ﴿تَمَتَّعْ﴾؛ أي: عش في الدنيا ﴿بِكُفْرِكَ﴾؛ أي: في كفرك، واستمتع بزخارفها تمتعًا ﴿قَلِيلًا﴾ فمتاع الدنيا قليل وإن طالت، فهو صفة لمصدر محذوف، أو زمانًا قليلًا، فهو صفة زمان محذوف، فالأمر بالتمتع للتهديد، كقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ﴾.
(٢) البحر المحيط.