الرياء، فتكون أقرب إلى القبول، وقوله: ﴿ساجِدًا﴾ حال (١) من ضمير ﴿قانِتٌ﴾؛ أي: حال كونه ساجدًا في صلاته ﴿وَقائِمًا﴾ فيها، وتقديم السجود على القيام، لكونه أدخل في معنى العبادة، والواو للجمع بين الصفتين، فالمعنى: ﴿قانِتٌ﴾؛ أي: قائم طويل القيام في الصلاة، كما يشعر به ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾؛ لأنه إذا قام في ساعات الليل، فقد أطال القيام بخلاف من قام في جزء من الليل، والمراد بالسجود والقيام: الصلاة، عبّر عنها بهما لكونهما أعظم أركانها، والاستفهام على كونها متصلة للتقرير. ولا شك أن الجواب لا يحتاج إلى بيان، وإما منقطعة فتقدّر ببل الإضرابية وهمزة الاستفهام الإنكاري، والمعنى: بل أمن هو قانت مطيع لربه ساجدًا وقائمًا كالكافر المقول له: تمتع بكفرك قليلًا؛ أي: لا يستويان، بل هو في الجنة والكافر في النار.
وقرأ ابن كثير ونافع، وحمزة، والأعمش، وعيسى، وشيبة، والحسن في رواية (٢): ﴿أمن﴾ بتخفيف الميم، والظاهر: أن الهمزة لاستفهام التقرير، ومقابله محذوف لفهم المعنى، والتقدير: أهذا القانت خير، أم الكافر المخاطب بقوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ﴾، ويدل عليه قوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، وقرأ باقي السبعة، والحسن، وقتادة، والأعرج، وأبو جعفر: أمن بتشديد الميم، وهي ﴿أم﴾ أدغمت ميمها في ميم ﴿من﴾، فاحتملت ﴿أم﴾ أن تكون متصلة ومعادلها محذوف قبلها، تقديره: أهذا الكافر خير، أم من هو قانت، واحتملت أن تكون منقطعة تقدر ببل والهمزة، والتقدير: بل أم من هو قانت صفته كذا، كمن ليس كذلك. وقرأ الجمهور ﴿ساجِدًا وَقائِمًا﴾ بالنصب على الحال، والضحاك برفعهما إما على النعت لقانت، وإما على أنه خبر بعد خبر.
وقوله: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ حال أخرى (٣) على الترادف، أو التداخل أو استئناف، كأنه قيل: ما باله يفعل القنوت في الصلاة؟ فقيل: هو يحذر عذاب الآخرة لإيمانه بالبعث. ﴿وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾؛ أي: المغفرة أو الجنة، لا أنه يحذر
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.