أعمالهم خيرًا، ولا يخافون من سيئها شرًا، وجاء هذا الكلام بأسلوب الاستفهام، للدلالة على أن الأولين بلغوا أعلى معارج الخير، وأن الآخرين درجوا في دركات الشر، ولا يخفى ذلك على منصف ولا مكابر.
ثم بيّن أن ما سلف إنما يفهمه كل ذي لب، فأمثال هؤلاء على قلوبهم غشاوة لا يفقهون موعظة، ولا تنفع فيهم التذكرة، فقال: ﴿إِنَّما يَتَذَكَّرُ﴾ ويتعظ، ويتدبر، ويتفكر ﴿أُولُوا الْأَلْبابِ﴾؛ أي أصحاب العقول الكاملة، السالمة من الشك والشرك، وهم المؤمنون، لا الكفار، وقرىء: ﴿يذكر﴾ بإدغام تاء ﴿يَتَذَكَّرُ﴾ في الذال، وهذا كلام (١) مستقل، غير داخل في الكلام المأمور به، وارد من جهته تعالى؛ أي: إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة، أصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل والوهم، وهؤلاء بمعزل عن ذلك، قيل: قضية اللب الاتعاظ بالآيات، ومن لم يتعظ فكأنه لا لب له، ومَثَلهُ مَثَلُ البهائم.
والخلاصة: أنه إنما يعلم الفرق بين هذا وذاك، من له لب وعقل يتدبر به، وقيل لبعض العلماء (٢): إنكم تقولون: العلم أفضل من المال، ثم نرى العلماء يجتمعون عند أبواب الملوك؛ ولا نرى الملوك مجتمعين عند أبواب العلماء، فأجاب: بأن هذا أيضًا يدل على فضيلة العلم. لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فتركوه.
١٠ - ولما نفى الله سبحانه المساواة، بين من يعلم ومن لا يعلم، وبيّن أنه إنما يتذكر أولو الألباب.. أمر رسوله - ﷺ - بأن يأمر المؤمنين من عباده بالثبات على تقواه، والإيمان به. فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لعبادي المؤمنين: ﴿يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وصدقوا بتوحيد الله ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ بامتثال مأموراته، واجتناب منهياته، وإخلاص الإيمان له، ونفي الشركاء عنه؛ أي: قل لهم: قولي هذا بعينه؛ أي:

(١) روح البيان.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon