منه بلا واسطة، وأكده بقوله: ﴿رَبٍّ﴾ ليعلم أنه ليس بسلام على لسان سفير، وقوله: ﴿رَحِيمٍ﴾. فالرحمة في تلك الحالة، أن يرزقهم الرؤية حال ما يسلم عليهم، ليكمل لهم النعمة.
وفي «حقائق البقلي»: سلام الله أزلي إلى الأبد، غير منقطع عن عباده الصادقين في الدنيا والآخرة، لكن في الجنة يرفع عن آذانهم جميع الحجب، فيسمعون سلامه، وينظرون إلى وجهه كفاحًا.
وقرأ الجمهور (١): ﴿سَلامٌ﴾ بالرفع على أنه بدل من ﴿ما﴾ وخبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو سلام، كما سيأتي في مبحثه. وقرأ أبي، وعبد الله، وعيسى والقنوي ﴿سلامًا﴾ بالنصب على المصدر. وقال الزمخشري: نصب على الحال؛ أي: لهم مرادهم خالصًا. وقرأ محمد بن كعب القرظي (سِلْم) بكسر السين وسكون اللام، ومعناه: سلام. وقال أبو الفضل الرازي: مسالم لهم؛ أي: ذلك مسالم.
٥٩ - ﴿وَامْتازُوا﴾؛ أي: اعتزلوا، وانفردوا، وتميزوا ﴿الْيَوْمَ﴾؛ أي: في هذا اليوم. وهو يوم القيامة، والفصل والجزاء من المؤمنين الصالحين. وكونوا على حدة ﴿أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾؛ أي: أيها المشركون؛ أي (٢): ويقال للمشركين: انفردوا اليوم أيها المجرمون عن المؤمنين، حين يسار بهم إلى الجنة. إذ لا دواء لألمكم، ولا شفاء لسقمكم.
وقال داود بن الجراح: يمتاز المسلمون من المجرمين، إلا أصحاب الأهواء، فإنهم يكونون مع المجرمين. وقال الضحاك: يمتاز المجرمون بعضهم من بعض، فيمتاز اليهود فرقة، والمجوس فرقة، والصابئون فرقة، وعبدة الأوثان فرقة.
وقيل: إن لكل كافر في النار بيتًا، فيدخل ذلك البيت، ويردم بابه، فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى. وهو على خلاف ما للمؤمن من الاجتماع
(٢) المراح.