والمعنى: إن جهنّم منزل ومقام للكاذبين المكذبين، المذكورين وغيرهم من الكفار، جزاءً لكفرهم وتكذيبهم.
٣٣ - ثمَّ ذكر سبحانه فريق المؤمنين المصدِّقين، فقال: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ مبتدأ، والموصول عبارة عن رسول الله - ﷺ - ومن تبعه من المؤمنين، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)﴾ فإنّ المراد موسى عليه السلام وقومه، وخبر المبتدأ: قوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بالصدق والتصديق، ﴿هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾؛ أي: المنعوتون بالتقوى التي هي أجلُّ الرغائب وعنوان النجاة، فقال الإِمام السهيلي (١) رحمه الله: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ رسول الله - ﷺ -، والذي صدّق به، أبو بكر الصديق، وقال مجاهد: الذي جاء بالصدق: رسول الله - ﷺ -، والذي صدّق به عليُّ بن أبي طالب، وقال السدي: الذي جاء بالصدق: جبريل، والذي صدّق به: رسول الله - ﷺ -، وقال قتادة ومقاتل وابن زيد: الذي جاء بالصدق: النبيُّ - ﷺ -، والذي صدّق به: المؤمنون، وقال النخعي: الذي جاء بالصدق وصدّق به هم المؤمنون الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة، وقيل: إن ذلك عام في كل من دعا إلى توحيد الله، وأرشد إلى ما شرعه لعباده، واختار هذا القول ابن جرير، وهو الذي اختاره من هذه الأقوال، ويؤيده قراءة ابن مسعود: والذين جاؤوا بالصدق وصدقوا به ولفظ ﴿الَّذِي﴾ كما وقع في قراءة الجمهور، وإن كان مفردًا فمعناه: الجمع؛ لأنه يراد به الجنس، كما يفيده قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
ودلّت الآية (٢) على أنّ النبي - ﷺ - يصدّق أيضًا بما جاء به من عند الله، ويتلقاه بالقبول، كما قال الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ ومن هنا قال بعضهم: إن النبي - ﷺ - مرسل إلى نفسه أيضًا، وقرأ أبو صالح: ﴿وصدَقَ به﴾ مخفّفًا؛ أي: صدق به الناس.
٣٤ - ثمّ ذكر سبحانه ما لهؤلاء الصادقين المصدِّقين في الآخرة، بقوله: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء المتقين بمقابلة محاسن أعمالهم في الدنيا. ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾ في الآخرة مدّخرًا لهم، ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾؛ أي: كل ما يشاؤونه من جلب المنافع، ودفع المضارّ في الآخرة لا في الجنة فقط، لما أنّ بعض ما يشاؤونه من تكفير السيئات، والأمن

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon