من الفزع الأكبر، وسائر أهوال يوم القيامة، إنما يقع قبل دخول الجنة، ويقال أجمع العبارات لنعيم الجنة قوله: ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ وأجمع العبارات لعذاب الآخرة قوله: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾.
وفي "التأويلات النَّجمية": ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾؛ لأنهم تقرّبوا إلى الله تعالى بالاتّقاء به عما سواه، فأوجب الله سبحانه في ذمة كرمه أن يتقرّب إليهم بإعطاء ما يشاؤون من عنده، بحسب حسن استعدادهم. ﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: حصول ما يشاؤونه، وهو مبتدأ، خبره: ﴿جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾؛ أي: ثواب الذين أحسنوا أعمالهم، بأن عملوها على مشاهدة الحق، وقد ثبت في "الصحيح" عن رسول الله - ﷺ - أن: "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه.. فإنه يراك".
٣٥ - ثم بين سبحانه ما هو الغاية مما لهم عند ربهم، فقال: ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ﴾ سبحانه ويستر، ﴿عَنْهُمْ أَسْوَأَ﴾ وأقبح وأفحش العمل ﴿الَّذِي عَمِلُوا﴾، من الذنوب والسيئات، فإن ذلك هو أعظم ما يرجونه من دفع الضرر عنهم؛ لأنَّ الله سبحانه إذا غفر لهم ما هو الأسوأ من أعمالهم.. غفر لهم ما دونه بطريق الأولى، و (اللام) (١): إما متعلقة بـ ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾؛ يعني الذين أحسنوا رجاء أن يكفّر الله عنهم، أو بالجزاء؛ يعني جزاهم كي يكفّر عنهم، كذا في "كشف الأسرار". وقال أبو السعود - رحمه الله -: (اللام): متعلق بقوله: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ﴾، باعتبار فحواه الذي هو الوعد؛ أي: وعدهم الله تعالى جميع ما يشاؤونه من زوال المضار وحصول المسارّ؛ ليكفر عنهم بموجب الوعد أسوأ الذي عملوا، دفعًا لمضارهم، أو بمحذوف تقديره: يسّر لهم ذلك ليكفر.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا﴾، والظاهر أنه اسم تفضيل، وقيل: إنّ أفعل هنا ليس للتفضيل، وهو كقولك: الأشجّ أعدل بني مروان؛ أي: عادل، فكذلك هذا؛ أي: سيّىء الذي عملوا، ويدل على هذا التأويل قراءة ابن مقسم وحامد بن يحيي عن ابن كثير: ﴿أسواء﴾ هنا وفي حم السجدة بألف بين الواو والهمزة بزنة أجمال، جمع سوء، ولا تفضيل فيه.

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon