وقيل: اسم من أسماء القرآن، وقال الضحاك والكسائي: معناه قضي ووقع ما هو كائن إلى يوم القيامة. وجعلاه بمعنى حم؛ أي: قضي ووقع، وقيل: معناه حم أمر الله؛ أي: قرب نصره لأوليائه، وانتقامه من أعدائه، وهذا تكلف لا موجب له، وتعسف لا مُلجِىء إليه، والحق أن هذه الفاتحة لهذه السورة وأمثالها من المتشابه الذي استأثر الله سبحانه بعلم معناه، كما قدمنا تحقيقه في أول سورة البقرة. انتهى.
٢ - ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ﴾ هو خبر لـ ﴿حم (١)﴾ على تقدير أنه مبتدأ؛ أي: سورة حم الكتاب المنزل ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ إلخ. فالمصدر بمعنى اسم المفعول، أو خبر لمبتدأ محذوف، أو هو مبتدأ وخبره ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ والمصدر على معناه، وهذا أولى الوجوه؛ أي: تنزيل هذا الكتاب الكريم كائن من الله تعالى، لا كما يقول الكفار ﴿الْعَزِيزِ﴾؛ أي: الغالب القاهر على ما أراد ﴿الْعَلِيمِ﴾ بكل المعلومات، ولعل تخصيص هذين الوصفين لما في القرآن من الإعجاز وأنواع العلم الدالين على القدرة الكاملة والعلم البالغ، وفي "فتح الرحمن": العزيز الذي لا مثل له، العليم بكل المعلومات، أو الكثير العلم بخلقه، وبما يقولونه ويفعلونه.
والمعنى: أي هذا القرآن تنزيل من الله الغالب، القاهر في ملكه، الكثير العلم بخلقه وبما يقولون وما يفعلون، وفي هذا إيماء إلى أنه ليس بمتقول ولا مما يجوز أن يكذب به
٣ - ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾ صفة أخرى للجلالة، والإضافة حقيقيّة؛ لأنه لم يرد به زمان مخصوص؛ لأن صفات الله تعالى أزلية منزهة عن التجدد والتقيد بزمان دون زمان، وإن كان تعلقها حادثًا بحسب حدوث المتعلقات كالذنب في هذا المقام، واسم الفاعل يجوز أن يراد به الاستمرار، بخلاف الصفة المشبهة، والغافر: الساتر، والذنب: الإثم، يستعمل في كل فعل يضرّ في عقباه، اعتبارًا بذنب الشيء؛ أي: آخره، ولم يقل: غافر الذنوب بالجمع، إرادةً للجنس، كما في الحمد لله.
والمعنى: ساتر جميع الذنوب، صغائرها وكبائرها، بتوبة وبدونها، ولا يفضح صاحبها يوم القيامة، كما يقتضيه مقام المدح العظيم ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ والقابل في الأصل: هو الذي يستقبل الدلو من البئر فيأخذها، والقابلة: التي تقبل الولد عند الولادة، والتوب مصدر، كالتوبة: وهو ترك الذنوب على أحد الوجوه، وهو أبلغ وجوه الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه، إما أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، أو فعلت وأسأت، وأقلعت، ولا رابع لذلك، وهذا