ولما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر.. نهى رسوله - ﷺ - أن يغتر بشيء من حظوظهم الدنيوية، فقال: ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾؛ أي: فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة النافعة في البلاد، وما يحصلون عليه من المكاسب في رحلة الشتاء في اليمن، ورحلة الصيف في الشام، ثم يرجعون سالمين غانمين، فإنهم معاقبون عما قليل، وهم وإن أمهلوا.. فإنهم لا يهملون، قال الزجاج: لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم، فإن عاقبتهم الهلاك.
وقال في "عين المعاني": فلا يغررك أيها المغرور، والمراد غيره - ﷺ - خطاب للمقلدين من المسلمين. انتهى.
وفي هذا تسلية له - ﷺ -، ووعيد لهم،
٥ - ثم قال مسليًا رسول الله - ﷺ - على تكذيب من كذبه من قومه، بأن له أسوةً في سلفه الأنبياء، فان أقوامهم كذبوهم، وما آمن منهم إلا قليل، فقال: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾؛ أي: قبل قريش ﴿قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ﴾؛ أي: القبائل من الكفار الذين تحزبوا على الرسل وعادوهم وحاربوهم ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾؛ أي: من بعد قوم نوح، مثل عاد وثمود وأضرابهم، وبدأ بقوم نوح إذ كان أول رسول في الأرض؛ أي: لأن آدم إنما أرسل إلى أولاده.
أي: كذبت (١) قوم نوح والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب، فحلت بهم نقمتنا بعد بلوغ أمدهم، كما هي سنتنا في أمثالهم من المكذبين، كعاد وثمود ومن بعدهم، وكانوا في جدلهم على مثل الذي عليه قومك. ﴿وَهَمَّتْ﴾؛ أي: قصدت وعزمت ﴿كُلُّ أُمَّةٍ﴾ من تلك الأمم المكذبة أن يوقعوا الشر ﴿بِرَسُولِهِمْ﴾ الذي أرسل إليهم، والهم كما سيأتي: تصميم القلب على فعل شيء قبل أن يفعل من خير أو شر، قال في "الأسئلة المقحمة": لم يقل: برسولها؛ لأنه أراد بالأمة هاهنا الرجال دون النساء، وبذلك فسروه، وقال في "عين المعاني": برسولهم تغليب للرجال ﴿لِيَأْخُذُوهُ﴾؛ أي: ليأسروه ويحبسوه فيعذبوه أو يقتلوه، من الأخذ بمعنى الأسر.
وفيه (٢): إشارة إلى أن كل عصر يكون فيه صاحب ولاية لا بد له من أرباب

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon