الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح لذلك. انتهى.
والمعنى (١): إن الملائكة الذين يحملون عرش ربهم، والملائكة الذين هم حوله، ينزهون الله تعالى متلبسين بحمده على نعمه، ويقرون بأن لا إله إلا هو، ولا يستكبرون عن عبادته، ويسألون أن يغفر لمن أقروا بمثل ما أقروا به، من توحيد الله، والبراءة من كل معبود سواه.
ونحن نؤمن بما جاء في الكتاب الكريم، من حمل الملائكة للعرش، ولا نبحث عن كيفيته، ولا عن عدد الحاملين له، فإن ذلك من الشؤون التي لم يفصلها لنا الكتاب ولا السنة المتواترة، فنكل أمر علمها إلى ربنا، وعلينا التسليم بما جاء في كتابه، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الحمل يراد به التدبير والحفظ، وأن الحفيف والطواف بالعرش يراد به القرب من ذي العرش سبحانه، ومكانة الملائكة لديه وتوسطهم في نفاذ أمره.
ثم بين سبحانه كيفية استغفارهم للمؤمنين، فقال حاكيًا عنهم: ﴿رَبَّنَا﴾ فهو على (٢) تقدير القول على أنه بيان لاستغفارهم؛ أي: يقولون: ربنا، أو على أنه حال؛ أي: يستغفرون للذين آمنوا قائلين: ربنا ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ نصب كل من ﴿رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ على التمييز المحول عن الفاعل؛ أي: وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك، والمراد: أن رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم، وعلمك يحيط بجميع أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم، وتقديم الرحمة على العلم، وإن كان العلم أشمل وأقدم تعلقًا من الرحمة؛ لأنها المقصودة بالذات هاهنا، وفي "عين المعاني": ملأت كل شيء نعمةً وعلمًا به، قال بعضهم: دخل في عموم الآية الشيطان ونحوه؛ لأن كل موجود له رحمة دنيوية ألبتة، وأقلها الوجود، وللشيطان إنظار إلى يوم الدين، ويكون من الرحمة الدنيوية إلى غير ذلك. ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا﴾ عن الشرك والمعاصي ﴿وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾؛ أي: تمسكوا بدينك بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. و ﴿الفاء﴾ فيه: لترتيب الدعاء على ما قبلها من سعة الرحمة والعلم، فما بعد ﴿الفاء﴾ مسبب عن كل واحد من الرحمة والعلم، إذ المعنى: فاغفر للذين علمت منهم التوبة من

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon