الأبدان.
والمعنى: أي هو الذي يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في العالم العلويّ والسفلي من الآيات العظام، الدالة على كمال خالقها وقدرة مبدعها وتفرّده بالألوهية، كما قال:

وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ تدلُّ على أنَّه واحدُ
ثم خصص من هذه الآيات ما هم في أشد الحاجة إليه، وهو المطر فقال: ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾؛ أي: وهو الذي ينزل لكم المطر الذي يخرج به من الزرع والثمار ما تشاهدونه مما هو مختلف الألوان والطعوم والروائح والأشكال، مما أبدعته يد القدرة ووشته بأبدع الحلي والمناظر.
وقرأ الجمهور: ﴿يُنَزِّلُ﴾ بالتشديد من نزل المضاعف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالتخفيف، من أنزل الرباعي.
﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ﴾ ويتعظ ويعتبر بتلك الآيات الباهرة، فيستدل بها على التوحيد وصدق الوعد والوعيد ﴿إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ ويرجع إلى طاعة الله وتوحيده عن الإنكار به، ويتفكَّر فيما أودعه في تضاعيف مصنوعاته من شواهد قدرته الكاملة، ونعمته الشاملة، الظاهرة والباطنة، الموجبة لتخصيص العبادة به تعالى، ومن ليس كذلك وهو المعاند، فهو بمعزل من التذكر والاتعاظ.
والخلاصة: أن دلائل التوحيد مركوزة في العقول، لا يحجبها إلا الاشتغال بعبادة غير الله، فإذا أناب العبد إلى ربه.. زال الغِطاء وظفر بالفوز، وظهرت له سبيل النجاة.
١٤ - ولما ذكر ما نصبه من الأدلة على التوحيد.. أمر عباده بدعائه وإخلاص الدين له، فقال: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ﴾ والفاء: فيه للإفصاح؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أن التذكر خاص بمن ينيب، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم فأقول لكم: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ﴾ سبحانه أيها المؤمنون، واعبدوه وحده حال كونكم ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾؛ أي: مخلصين له دينكم وطاعتكم وعبادتكم التي أمركم بها، من الشرك، والالتفات إلى ما سواه بموجب إنابتكم إليه، وإيمانكم به، وخالفوا


الصفحة التالية
Icon