أخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: يجمع الله الخلق كلهم يوم القيامة بصعيد واحد، بأرض بيضاء، كأنها سبيكة فضة، لم يعصَ الله فيها قط، فأول ما يتكلم أن ينادي مناد: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ إلى قوله: ﴿الْحِسَابِ﴾، ونحو الآية قوله ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾. وقال: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)﴾.
١٨ - ﴿وَأَنْذِرْهُمْ﴾؛ أي: وخوف يا محمد مشركي قومك ﴿يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾؛ أي: عذاب يوم القيامة، ليقلعوا عن قبيح أعمالهم وذميم معتقداتهم التي يستحقون عليها شديد العذاب و ﴿يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾: منصوب على أنه مفعول به لـ ﴿أنذرهم﴾؛ لأنه المنذر به، و ﴿الْآزِفَةِ﴾: فاعلة من أزف الأمر على وزن علم، إذا قرب، والمراد: القيامة، ولذا أنث، ونظيره: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧)﴾؛ أي: قربت القيامة، وسميت بالآزفة؛ لأزوفها، وهو القرب؛ لأن كل آت قريب، وإن استبعد اليائس أمده.
وفي الحديث: "بعثت أنا والساعة كهاتين، إن كادت لتسبقني" والإشارة بهاتين: إلى السباسة والوسطى؛ يعني أن ما بيني وبين الساعة بالنسبة إلى ما مضى من الزمان، مقدار فضل الوسطى على السبابة، شبه القرب الزماني بالقرب المساحي؛ لتصوير غاية قرب الساعة.
وجملة قوله: ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾: بدل من ﴿يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ فإن القلوب ترتفع عن أماكنها من شدة الفزع، فتكون عند الحناجر، جمع حنجرة، وهي: الحلقوم؛ أي: وأنذرهم يوم الآزفة، إذ تزول القلوب عن أماكنها، وترتفع من شدة الفزع إلى الحلقوم، فتلتصق بها، فلا تعود إلى أماكنها، فيستروحوا ويتنفّسوا ولا تخرج فيستريحوا بالموت، وقيل: ينتفخ السحر؛ أي: الرئة؛ خوفًا، فيرتفع القلب إلى الحنجرة حال كون أصحاب تلك القلوب ﴿كَاظِمِينَ﴾؛ أي: مغمومين يتردد الغيظ في أجوافهم، فلا يمكنهم أن ينطقوا ويظهروا خوفهم، فهو حال من أصحاب القلوب على المعنى، إذ الأصل إذ قلوبهم لدى حناجرهم، بناء على أن التعريف اللامي بدل من التعريف الإضافي، يقال: كظم غيظه: إذا ردّ غضبه وحبسه في نفسه بالصبر وعدم إظهار الأثر.
والمعنى: حال كونهم كاظمين صابرين على الغم والكربة، ساكتين حال


الصفحة التالية
Icon