الصدور من النوايا، فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم وصرفوها عن محارمه حذار الموقف بين يديه بالحسنى، ويجزي الذين رددوا النظر وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش جزاءهم الذي أوعدهم به في دار الدنيا.
﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ﴾؛ أي: يعبدونهم ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى، وهم الأصنام والأوثان ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾؛ لأنهم لا يعلمون شيئًا، ولا يقدرون على شيء. وفي "الإرشاد": هذا تهكم بهم؛ لأن الجماد لا يقال في حقه: يقضي ولا يقضي.
والمعنى: أي والأوثان والآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون من قومك، لا يقضون بشيء؛ لأنهم لا يعلمون شيئًا ولا يقدرون على شيء، فاعبدوا الذي يقدر على كل شيء، ولا يخفى عليه شيء.
وقرأ الجمهور (١): ﴿يَدْعُونَ﴾ بياء الغيبة؛ لتناسب ضمائر الغيبة قيل: يعني: يدعو الظالمون، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ نافع وشيبة وهشام: بالفوقية على الخطاب لهم؛ أي: قل لهم يا محمد والذين تدعون من دونه ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿العَلِيمُ﴾ بأحوالهم وأفعالهم، فلا يخفى عليه من المسموعات والمبصرات خافية؛ أي: إنه تعالى هو السميع لما تنطق به الألسنة، البصير بما تفعلون من الأفعال، وهو محيط بكل شيء ومحصيه عليكم، فيجازيكم عليه جميعًا يوم الجزاء، ولا يخفى ما في هذا من الوعيد لهم على ما يقولون ويفعلون، والتعريض بحال ما يدعون من دون الله تعالى، وهذا تقرير (٢) لعلمه تعالى بخائنة الأعين، وقضائه بالحق، فإن من يسمع ما يقولون ويبصر ما يفعلون، إذا قضى.. قضى بالحق، ووعيد لهم على ما يفعلون ويقولون، وتعريض بحال ما يدعون من دونه، فإنهم عارون عن التلبس بهاتين الصفتين، فكيف يكونون معبودين؟
٢١ - ثم إنه لما بالغ في تخويف الكفار بأحوال الآخرة.. أردفه بالتخويف بأحوال الدنيا، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ و ﴿الهمزة﴾: فيه: للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، و ﴿الواو﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أغفلوا عن شدة

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon