قلت: جمع الضمير هنا؛ موافقة لما قبله في قوله: ﴿كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ وأفرده ثم؛ لأنه ضمير الشأن، زيد توصلًا إلى دخول ﴿أن﴾ على ﴿كان﴾.
والحال: أن الله سبحانه (١) حذّر هؤلاء المشركين مما حل بمن قبلهم من الأمم التي كانت أقوى منهم وأعظم آثارًا، كعاد وثمود، والسعيد من وعظ بغيره، فقال واعظًا ومذكّرًا: ألم يسر هؤلاء المشركون بالله في البلاد، فيروا عاقبة الذي كانوا من قبلهم من الأمم ممن سلكوا سبيلهم في الكفر وتكذيب الرسل، وقد كانوا أشدّ منهم بطشًا، وأبقى في الأرض أثرًا، فلم تنفعهم شدة قواهم وعظيم آثارهم إذ جاء أمر الله، فأخذوا بما أجرموا من المعاصي، واكتسبوا من الآثام، فأبيدوا جميعًا، وصارت مساكنهم خاويةً بما ظلموا، وما كان لهم من عذاب الله من حافظ يدفعه عنهم.
فائدة: وفي "شرح الأسماء" للزورقي: القوي هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فلا يمسّه نصب ولا تعب، ولا يدركه قصور ولا عجز في نقض ولا إبرام، ومن عرف أن الله تعالى هو القوي.. رجع إليه عن حوله وقوته، وخاصيته: ظهور القوة في الوجود، فما تلاه ذو همة ضعيفة إلا وجد القوة، ولا ذو جسم ضعيف إلا كان له ذلك، ولو ذكره مظلوم بقصد إهلاك الظالم ألف مرة.. كان له ذلك، وكفي أمره.
الإعراب
﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (٤)﴾.
﴿حمَ (١)﴾ تقدم القول في إعراب فواتح السور، وأيسر ما فيها: أنها خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذه السورة حم؛ أي: مسماة بـ ﴿حم (١)﴾، والخبر؛ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف على قراءة السكون، أو ضمة ظاهرة في آخره على قراءة الزهري، والجملة: مستأنفة

(١) المراغى.


الصفحة التالية
Icon