والمعنى (١): أي وما مكر الكافرين وقصدهم وهو تقليل عدد بني إسرائيل لئلا ينصروا عليهم إلا ذاهب سدًى وباطلًا، فالناس لا يمتنعون من الإيمان، وإن فعل بهم ما فعل، وأن القدر المقدور لا محالة نافذ، والقضاء المحتوم لا بد واقع، والنصر حليف المؤمنين، كما وعد في كتابه المكنون ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
والخلاصة: أن ما أظهروه من الإبراق والإرعاد سيضمحل لا محالة، ويذهب هباءً أمام تلك القوة القاهرة، وسيكون النصر للمتقين.
٢٦ - ثم ذكر أنه ما كفاهم قتل البنين واستحياء البنات من بني إسرائيل، بل أرادوا أن يجتثوا هذه الشجرة من أصلها، كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ﴾ اللعين لملئه: ﴿ذَرُونِي﴾؛ أي: اتركوني ﴿أَقْتُلْ مُوسَى﴾ إنما قال هذه لأنه كان في خاصة قومه من يمنعه من قتل موسى؛ مخافة أن ينزل بهم العذاب، أو كانوا يكفونه عن قتله؛ تهوينًا لأمره، واستصغارًا لشأنه؛ أي: أتركوني أقتله ﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ الذي يزعم أنه أرسله إلينا، فليمنعه من القتل إن قدر على ذلك؛ أي: لا يهولنكم شأنه؛ لأنه لا رب له حقيقة، بل أنا ربكم الأعلى، وكان إذا هم بقتله.. كفوه، وقالوا له: ليس هذا بالذي يخاف منه، وهو أضعف ن ذلك شأنًا، وما هو إلا ساحر يصاوله ساحر مثله، وإنك إن قتلته.. أدخلت الشبهة في نفوس الناس، واعتقدوا أنك عجزت عن مقابلة الحجة بالحجة، وما يزالون به هكذا يحاورونه ويدارونه حتى يكف عن قتله.
وربما يكون قد قال ذلك تمويهًا على قومه، وإيهامًا أن حاشيته هم الذين يكفونه عن قتله، وما يكفّه عن ذلك إلا ما في نفسه من هول الفزع الذي استحوذ عليه، كما يرشد إلى ذلك قوله: ﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ فإن ظاهره الاستعانة به بدعائه ربه سبحانه، كما يقال: ادع ناصرك فإني منتقم منك، وباطنه أن فرائصه كانت ترتعد من دعائه ربه، فلهذا تكلم بما تكلم به، مظهرًا أنه لا يبالي بدعائه ربه، كما يقول القائل ذروني أفعل كذا وما كان فليكن.

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon