وحده لا شريك له، وهو في موضع نصب بنزع الخافض، والحصر مستفاد من تعريف طرفي الجملة، مثل: صديقي زيد لا غير ﴿و﴾ الحال أنه ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ والمعجزات الظاهرة الواضحة التي شاهدتموها ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لم يقل من ربه، لأنهم إذا سمعوا أنه جاءهم بالبينات من ربهم.. دعاهم ذلك إلى التأمل في أمره، والاعتراف به وترك المكابرة معه؛ لأن ما كان من قِبَلِ رَبِّ الجميع يجب اتباعه وإنصاف مبلغه.
وعن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله - ﷺ -، قال: أقبل عقبة بن أبي معيط، ورسول الله يصلي عند الكعبة، أو لقيه في الطواف، فأخذ بمجامع ردائه - ﷺ -، فلوى ثوبه على عنقه وخنقه خنقًا شديدًا، وقال له: أنت الذي تنهانا عما يعبد آباؤُنا، فقال النبي - ﷺ -: "أنا ذاك"، فأقبل أبو بكر - رضي الله عنه - فأخذ بمنكبيه - ﷺ - والتزمه من ورائه، ودفعه عن رسول الله - ﷺ - وقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ رافعًا صوته، وعيناه تسفحان دمعًا أي: تجريان حتى أرسلوه، أخرج البخاري بمعناه. وفيه بيان أن ما تولى أبو بكر من رسول الله كان أشد مما تولاه الرجل المؤمن من موسى، لأنه كان يظهر إيمانه، وكان بمجمع طغاة قريش، وحكى ابن عطية في "تفسيره" عن أبيه: أنه سمع أبا الفضل بن الجوهري على المنبر، وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة - رضي الله عنهم - فأطرق قليلًا ثم رفع رأسه، فقال:

عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِيْنِهِ فَكُلُّ قَرِيْنٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِيْ
ماذا ترون من قوم قرنهم الله تعالى بنبيه، وخصهم بمشاهدته، وتلقى الروح عنه؟ وقد أثنى الله تعالى على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأَسرَّهُ، فجعله في كتابه، وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -! إذ جرد سيفه بمكة وقال: والله لا أعبد الله سرًا بعد اليوم، فكان ما كان من ظهور الدين بسيفه.
والمعنى (١): أي وقال رجل من آل فرعون بكتم إيمانه منهم، خوفًا على
(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon