إلا أثابه الله" قلنا يا رسول الله: ما إثابة الكافر؟ قال: "المال والولد والصحة وأشباه ذلك" قلنا: وما إثابته في الآخرة؟ قال: "عذابًا دون العذاب" وقرأ: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.
وقد أثبت علماء الأرواح حديثًا (١): نعيم الروح وعذابها، وشبهوا ذلك بما يراه النائم حين نومه، فقد نرى نائمين في سرير واحد، يقوم أحدهما مذعورًا كئيبًا وجلًا مما شاهد في نومه بينما نرى الثاني مستبشرًا فرحًا بما لاقى من المسرة والنعيم، فيروي أنه كان في حديقةً غناء، وشاهد كذا وكذا مما فيها من بهجة وبهاء وجمال ورواء.
وقرأ الأعرج وأبو جعفر وشيبة والأعمش وابن وثاب وطلحة ونافع وحمزة والكسائي وحفص (٢): ﴿أَدْخِلُوا﴾ أمرًا للخزنة، من أدخل الرباعي، وهو على تقدير القول كما ذكرنا، وقرأ علي والحسن وقتادة وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر: ﴿ادخلوا﴾ بهمزة وصل من دخل الثلاثي، أمرًا لآل فرعون بالدخول، بتقدير حرف النداء؛ أي: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب.
٤٧ - والظرف في قوله: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ في النَّارِ﴾ متعلق (٣) بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد لقومك وقت محاجة ومخاصمة أهل النار في النار، سواء كانوا آل فرعون أو غيرهم، وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون، ثم شرح مخاصمتهم بقوله: ﴿فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ﴾ منهم في القدر والمنزلة والحال في الدنيا ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ عن الانقياد للأنبياء والاتباع لهم، أي: أظهروا الكبر باطلًا، وهم رؤساؤُهم، ولذا لم يقل الكبراء؛ لأنه ليس الكبرياء صفتهم في نفس الأمر ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَبَعًا﴾؛ أي: أتباعًا في كل حال خصوصًا فيما دعوتمونا إليه من الشرك والتكذيب، جمع تابع، كخدم جمع خادم، كما سيأتي البحث عنه في المفردات. ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ﴾ ونافعون لنا اليوم ودافعون ﴿عَنَّا نَصِيبًا﴾؛ أي: بعضًا وجزءًا ﴿مِنَ النَّارِ﴾ باتباعنا إياكم، فقد كنا في الدنيا ندفع المؤونة عنكم، يقال: ما يغني عنك هذا؛ أي: ما يجزيك وينفعك، و ﴿نَصِيبًا﴾: منصوب بمضمر يدل عليه ﴿مُغْنُونَ﴾ فإن أغنى إذا عدي بكلمة عن.. لا يتعدى إلى مفعول آخر

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon