نؤمن بهم ولا بما جاؤوا به من البينات الواضحة والبراهين الساطعة وحينئذ، تهكم بهم خزنة جهنم فـ ﴿قَالُوا﴾ لهم: إذا كان الأمر كذلك. ﴿فَادْعُوا﴾ أنتم بأنفسكم، فإن الدعاء لمن يفعل ذلك مما يستحيل صدوره منا، ولم يريدوا بأمرهم بالدعاء إطماعهم في الإجابة، بل إقناطهم منها، وإظهار حقيقتهم حسبما صرحوا به في قولهم ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ لأنفسهم، فالمصدر مضاف لفاعله، أو وما دعاء غيرهم لهم بتخفيف العذاب عنهم، فالمصدر مضاف إلى مفعوله ﴿إِلَّا في ضَلَالٍ﴾؛ أي: إلا في ضياع وبطلان لا يجاب، لأنهم دعوا في غير وقته.
والمعنى (١): أي قالوا لهم؛ أي: قالت الخزنة لهم: إذا كان الأمر كما ذكرتم.. فادعوا أنتم وحدكم، فإنا لا نعدو لمن كفر بالله، وكذب رسله، وإن دعاءكم لا يفيدكم شيئًا، فما هو إلا في خسران وتبار، وسواء دعوتم أو لم تدعوا، فإنه لا يستجاب لكم، ولا يخفف عنكم.
روى الترمذي وغيره، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: يلقى على أهل النار الجوع، حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون منه، فيغاثون بالضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع، فيأكلون لا يغني عنهم شيئًا، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة، فيغصون به، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثون بالشراب فيرفع لهم الحميم بالكلاليب، فإذا دنا من وجوههم.. شواها، فإذا وقع في بطونهم.. قطع أمعاءهم وما في بطونهم، فيستغيثون بالملائكة يقولون: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ فيجيبونهم ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا في ضَلَالٍ﴾.
وقد اختلف العلماء (٢) في أنه هل يجوز أن يقال: يستجاب دعاء الكافرين فمنعه الجمهور لقوله تعالى: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا في ضَلَالٍ﴾ ولأن الكافر لا يدعو الله، لأنه لا يعرفه، لأنه وإن أقر به لما وصفه بما لا يليق به نقض إقراره، وما روي في الحديث: "إن دعوة المظلوم وإن كان كافرًا تستجاب". فمحمول على كفران النعمة، وجوزه بعضهم لقوله تعالى حكايةً عن إبليس: ﴿رب أنظرني﴾؛ أي: أمهلني ولا تمتني سريعًا، فقال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ فهذه إجابة لدعائه.

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon