والحقارة، كذلك لا يساوي المسيء المحسن فيما يستحقه المحسن من الفضل والكرامة.
والعاطف في قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ عطف الموصول بما عطف عليه على الأعمى والبصير، مع أنَّ المجموع؛ أي: مجموع الغافل والمستبصر هو مجموع المسيء والمحسن، لتغاير الوصفين؛ يعني: أن المقصود في الأولين إلى العلم، فإن العمى والبصيرة في القلب، وفي الأخيرين إلى العمل، لأن الإيمان والأعمال في الجوارح، وإلا ففي الحقيقة المراد بالبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات واحد، وبالأعمى والمسيء واحد، ويجوز أن يراد الدلالة بالصراحة والتمثيل على أن يتحد الوصفان في المقصود، بأن يكون المراد بالأولين أيضًا: المحسن والمسيء، فالصراحة بالنسبة إلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيء، والتمثيل بالنسبة إلى ما قبله، فإن الأعمى والبصير من قبيل التمثيل. ﴿قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ ﴿مَا﴾: زائدة لتأكيد معنى القلة، و ﴿قَلِيلًا﴾: مفعول مطلق على أنه صفة لموصوف محذوف؛ أي: تتذكرون تذكرًا قليلًا أيها الكفار المجادلون؛ يعني: وإن كنتم تعلمون أن التبصر خير من الغفلة، ولا يستويان، وكذا العمل الصالح خير من العمل الفاسد، لكنكم لا تتذكرون إلا تذكرًا قليلًا، أو لا تتذكرون أصلًا، فإنه قد يعبّر بقلة الشيء عن عدمه، مثل: أن يقال: فلان قليل الحياء، أي: لا حياء له.
وقرأ الجمهور والأعرج والحسن وأبو جعفر وشيبة (١): ﴿يتذكرون﴾ بالتحتية على الغيبة، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم للمناسبة؛ لأنّ ما قبلها وما بعدها على الغيبة لا على الخطاب، وقرأ قتادة وطلحة وأبو عبد الرحمن وعيسى والكوفيون ﴿تَتَذَكَّرُونَ﴾ بالفوقية على الخطاب بطريقة الالتفات، وفائدة الالتفات في مقام التوبيخ: هو إظهار العنف الشديد، والإنكار البليغ. كما سيأتي في مبحث البلاغة إن شاء الله تعالى.
ومعنى الآية (٢): أي وما يستوي الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه، فيتدبرها ويعتبر بها، فيعلم وحدانيته، وقدرته على خلق ما يشاء، ويؤمن بذلك ويصدق به، والمؤمن الذي يرى بعينيه تلك الحجج فيتفكّر فيها ويتعظ بها، ويعلم ما

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon