كثيرًا فلا يستجاب له.
قلت: الدعاء له شروط: منها: الإخلاص في الدعاء، وأن لا يدعو وقلبه لاهٍ مشغول بغير الدعاء، وأن يكون المطلوب بالدعاء مصلحةً للإنسان، وأن لا يكون فيه قطيعة رحم، فإذا كان الدعاء بهذه الشروط.. كان حقيقًا بالإجابة، فإما أن يعجّلها، وإما أن يؤخّرها له، يدل له ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: "ما من رجل يدعو الله تعالى بدعاء.. إلا استجيب له، فإما أن يعجّل له به في الدنيا، وإما أن يدّخر له في الآخرة، وإما أن يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل" قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعجل؟ قال: "يقول: دعوت ربي فما استجاب لي" أخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب.
يقال: ادعوني بلا غفلة أستجب لكم بلا مهلة، ادعوني بلا خفاء استجيب لكم بالوفاء، ادعوني بلا خطأ استجيب لكم بالعطاء، ادعوني بشرط الدعاء، وهو الأكل من الحلال. قيل: الدعاء مفتاح الحاجة، وأسنانه لقمة الحلال، وقوله: ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ وعيد شديد لمن استكبر عن دعاء الله تعالى، وفيه لطفٌ بعباده عظيم، وإحسان إليهم جليل، حيث توعّد من ترك طلب الخير منه، واستدفاع الشرِّ به بهذا الوعيد البالغ، وعاقبه بهذه العقوبة العظيمة.
وقيل: هذا الوعد بالإجابة مقيّد بالمشيئة؛ أي: أستجب لكم إن شئت، كقوله تعالى: ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ﴾؛ أي: الله، وقرأ الجمهور والحسن وشيبة (١): ﴿سَيَدْخُلُونَ﴾ مبنيًا للفاعل، وقرأ زيد بن علي بن وابن كثير وابن محيصن وورث وأبو جعفر: ﴿سيُدخلون﴾ بضم الياء وفتح الخاء مبنيًا للمفعول، واختلف عن عاصم وأبي عمرو.
فيا عباد الله، وجّهوا رغباتكم، وعوّلوا في كل طلباتكم على من أمركم، بتوجيهها إليه، وأرشدكم إلى التوكل عليه، وكفل لكم الإجابة بإعطاء مطالبكم، وحصول رغباتكم، فهو الكريم الجواد، الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه،

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon