أي: فرقت بين الحلال والحرام، أو فصل بعضها من بعض باختلاف معانيها، من قولهم: فصلت العير؛ أي: انفصلت، وفصل من البلد؛ أي: انفصل منه، حالة كونه ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾؛ أي: مجموعًا من لسان العرب ولغتهم، حال من ﴿كتاب﴾ لتخصصه بالصفة، ويقال لها: الحال الموطئة، وهو اسم جامد موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، وهذا أولى من نصبه على المدح؛ أي: أريد بهذا الكتاب المفصل آياته قرآنًا عربيًا أو على المصدرية؛ أي: يقرؤه قرآنًا، وبوجود كلمةٍ عجمية فيه معرّبة لا يخرج عن كونه عربيًا؛ لأن العبرة للأكثر، وذلك كالقسطاس، فإنه رومي معرب بمعنى الميزان والسجيل، فإنه فارسي معرب سنك وكل، والصلوات فإنه عبراني معرب صلوتا، بمعنى المصلي، والرقيم فإنه رومي بمعنى الكلب، والطور فإنه الجبل بالسرياني ﴿لِقَوْمٍ﴾ عرب ﴿يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: كائنًا لقوم يعلمون معانيه، لكونه على لسانهم، فهو صفة أخرى لـ ﴿قُرْآنًا﴾ وفي "التأويلات النجمية": ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ العربية والعربية بحروفها مخلوقة، والقرآن منزه عنها، وكأنه رد على من زعم أن في القرآن ما ليس من كلام العرب. اهـ. أو متعلق بـ ﴿فُصِّلَتْ﴾ والأول أولى. وقال الضحاك؛ أي: يعلمون أن القرآن منزل من عند الله تعالى، وقال مجاهد؛ أي: يعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل.
وحاصل معنى الآية (١): أي هذا القرآن منزل من الله الرحمن الرحيم على نبيه محمد - ﷺ -، وخص هذين الوصفين ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ بالذكر؛ لأن الخلق في هذا العالم كالمرضى المحتاجين إلى الدواء، والقرآن مشتمل على كل ما يحتاج إليه المرضى من الأدوية، وعلى ما يحتاج إليه الأصحاء من الأغذية، فكان رحمةً لهم، ولطفًا بهم، كما قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)﴾.
هو ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ وبينت وميزت لفظًا بفواصل ومقاطع ومبادىء للسور وخواتم لها، وميزت معنًى بكونها وعدًا ووعيدًا ومواعظ ونصائح وتهذيب أخلاق ورياضة نفس وقصص الأولين وتواريخ الماضي، حال كونه ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾؛ أي: أنزلناه بلغة العرب ليسهل عليهم فهمه، كما قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾، وفي هذا امتنان من الله عليهم ليسهل عليهم قراءته

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon