بالغطاء، المحيط له بحيث لا يصيبه شيء من حيث تباعدها عن إدراك الحق واعتقاده.
فإن قلت: لِمَ عبَّر هنا بكلمة في حيث قال: ﴿فِي أَكِنَّةٍ﴾، وعبر بكلمة على في سورة الكهف حيث قال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ فما الفرق بين المقامين؟
قلت: عبر هنا بكلمة ﴿فِي﴾ لأن القصد هنا المبالغة في عدم القبول، والأكنة إذا احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف، لا يمكن أن يصل إليها شيء؛ وليست تلك المبالغة في ﴿عَلَى﴾، والسياق في الكهف للعظمة، فيناسبه أداة الاستعلاء. اهـ سعدي المفتي.
أي: إن قلوبنا في أغطية متكاثفة مما تدعونا إليه من الإيمان بالله وحده، وترك ما ألفينا عليه آباءنا، فهي لا تفقه ما تقول من التوحيد، ولا يصل إليها قولك يا محمد.
٢ - ﴿وَفِي آذَانِهِمْ﴾ وأسماعنا ﴿وَقْرًا﴾؛ أي: صمم يمنعها من استماع قولك، وفي "القاموس": الوقر: ثقل في الأذن أو ذهاب السمع كله، شبهوا أسماعهم بآذان بها صمم من حيث إنها تمج الحق ولا تميل إلى استماعه.
وفي "التأويلات النجمية": ﴿وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ﴾: ما ينفعنا كلامك، قالوه حقًا، وإن قالوا على سبيل الاستهزاء والاستهانة، لأن قلوبهم في أكنة حب الدنيا وزينتها مقفولة بقفل الشهوات والأوصاف البشرية، ولو قالوا ذلك على بصيرة.. لكان ذلك منهم توحيدًا، فتعرضوا للمقت لما فقدوا من صدق القلب.
وقرأ طلحة بن مصرف (١): ﴿وقر﴾ بكسر الواو وسكون القاف، وقرىء: ﴿وقر﴾ بفتحتين، وقرأ الجمهور: ﴿وَقْرٌ﴾ بفتح الواو وسكون القاف.
٣ - ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ عظيم، وستر غليظ يمنعنا عن إجابتك، وعن التواصل والتوافق معك، روي أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوابًا وقال: يا محمد، بيننا وبينك حجاب استهزاءً منه، و ﴿مِنْ﴾: للدلالة (٢) على أن الحجاب

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon