قبلهم، يعني الرسل الذي أرسلوا إلى آبائهم، فالضمير عائد إلى عاد وثمود ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾؛ أي: ومن بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم، وهم الرسل الذين أرسلوا إليهم، وهما هود وصالح، والضمير عائد إلى الرسل.
قوله: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ﴾ الظاهر (١): أنه من إطلاق الجمع على المثنى، فإن الجائي إلى عاد هود، وإلى ثمود صالح ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿جَاءَتْهُمُ﴾؛ أي: جاءتهم من جميع جوانبهم، واجتهدوا بهم من كل جهة من جهات الإرشاد وطرق النصيحة، تارةً بالرفق، وتارةً بالعنف، وتارةً بالتشويق، وأخرى بالترهيب، فليس المراد الجهات الحسية والأماكن المحيطة بهم، أو من جهة الزمان الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار من الوقائع، ومن جهة الزمان المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة، ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة كقوله تعالى: ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ فيراد بالرسل ما يعم المتقدمين منهم والمتأخرين، أو ما يعم رسل الرسل أيضًا، وإلا فالجائي رسولان كما سبق، وليس في الاثنين كثرة؛ أي: إذ جاءتهم الرسل وخاطبوهم بـ ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾ أيها القوم ﴿إِلَّا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: يأمرونهم بعبادة الله وحده، فـ ﴿أنْ﴾: مصدرية ناصبة للفعل وصلت بالنهي، كما توصل بالأمر في مثل قوله تعالى: ﴿أَنْ طَهِّرَا﴾، ويجوز (٢) أن تكون تفسيرية، أو مخففةً من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن محذوف.
ثم ذكر سبحانه ما أجابوا به على الرسل، فقال: ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال قوم عاد وثمود استخفافًا برسلهم: ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّنَا﴾؛ أي: إرسال الرسل، فإنه ليس هنا في أن تقدر المفعول مضمون جواب الشرط كثير معنى.. ﴿لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾؛ أي: لأرسل الملائكة بدلكم، ولم يتخالجنا شك في أمرهم فآمنا بهم، لكن لما كان إرسالهم بطريق الإنزال.. قيل: لأنزل ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ على زعمكم، فهو ليس إقرارًا منهم بالإرسال ﴿كَافِرُونَ﴾؛ أي: كافرون بما تزعمونه من أن الله أرسلكم إلينا، لأنكم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا، فكيف اختصكم برسالته دوننا؟.
ومعنى الآية (٣): أي قل أيها الرسول لمشركي قومك، المكذبين لما جئتهم به من الحق: إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله تعالى.. فإني أنذركم بحلول

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon