يوصل إلى المطلوب، سواء ترتّب عليها الاهتداء أم لا، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وليس المراد الدلالة المقيدة بكونها موصلة إلى البغية، كما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾؛ أي: اختاروا الضلالة من عمى البصيرة، وافتقادَها على الهداية، والكفر على الإيمان، والمعصيةَ على الطاعة.
وقيل (١): إن ثمود في الابتداء آمنوا وصدّقوا، ثمّ ارتدُّوا وكذّبوا، فأجراهم مجرى إخوانهم في الاستئصال، فتكون الهداية حينئذ بمعنى الدلالة المقيدة، قال ابن عطاء: ألبسوا لباس الهداية ظاهرًا وهم عواري، فيتحقق عليهم لباس الحقيقة، فاستحبُّوا العمى على الهدى، فردُّوا إلى الذي سبق لهم في الأزل.
والمعنى (٢): أي وأما ثمود فبيّنا لهم الحقّ على لسان نبيهم صالح، ودللناهم على سبيل النجاة، بنصب الأدلة التكوينية، وإنزال الآيات التشريعيّة، فكذبوا واستحبوا العمى على الهدى، والكفر على الإيمان.
ثمّ ذكر جزاءَهم على ما اختاروه لأنفسهم، فقال: ﴿فَأَخَذَتْهُمْ﴾؛ أي: أهلكتهم ﴿صَاعِقَةُ الْعَذَابِ﴾؛ أي: نار من العذاب ﴿الْهُونِ﴾؛ أي: نار نازلة من السماء هي من العذاب المهين؛ أي: نزلت صاعقة من السماء، فأهلكتهم وأحرقتهم، فيكون من إضافة النوع إلى الجنس بتقدير من؛ أي: من جنس العذاب المهين الذي بلغ في إفادة الهوان للمعذّب إلى حيث كان عين الهون وصِف به العذاب للمبالغة، كأنه عين الهوان. والهون: مصدر بمعنى الهوان والذلة، كما سيأتي.
وقرأ ابن مقسم: ﴿عذاب الهوان﴾ بفتح الهاء وألفٍ بعد الواو. و ﴿الباء﴾ في قوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ للسببية؛ أي: بسبب الذي كانوا يكسبونه من اختيار الضلالة والكفر والمعصية، أو بسبب كسبهم.
يقول الفقير: أما حكمة الابتلاء بالصيحة.. فلعدم استماعهم الحق من لسان صالح عليه السلام، مع أن الاستحباب المذكور صفة الباطن، وبالصيحة تنشقُّ المرارة، فيفسد الداخل والخارج، وأما بالنار فلإحراقهم باطن ولد الناقة بعقر أمّه،

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon