٢٠ - وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا﴾ غاية (١) لـ ﴿يُحْشَرُ﴾ ولـ ﴿يُوزَعُونَ﴾ و ﴿ما﴾: مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور؛ يعني: أنّ وقت مجيئهم النار لابدّ أن يكون وقت الشهادة عليهم؛ أي: حتى إذا حضروا النار جميعًا، وسئلوا عما أجرموا فأنكروا.. ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ﴾؛ أي: آذانهم بما سمعت من المعاصي، لأنهم كانوا استعملوها في الدنيا في معاصي الله بغير اختيارها، فشهدت عليهم بما سمعت من شرّ، وأفرد السمع لكونه مصدرًا في الأصل، ﴿و﴾ شهدت عليهم ﴿أَبْصَارُهُمْ﴾ بما نظرت إلى حرام ﴿و﴾ شهدت عليهم ﴿جُلُودُهُمْ﴾؛ أي: ظواهر أبدانهم وبشراتها بما لامست محظورًا، والجلد: قشر البدن، وقيل: المراد بالجلود الجوارح والأعضاء، وقال السدّي وعبيد الله بن أبي جعفر والفرّاء: أراد بالجلود الفروج، والأول أولى ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا، ويقال: تخبر كل جارحة بما صدر من أفاعيل صاحبها، لا أنّ كلًّا منها تخبر بجناياتها المعهودة فقط، فالموصول عبارة عن جميع أعمالهم السيئة، وفنون كفرهم ومعاصيهم، وتلك الشهادة بأن ينطقها الله تعالى كما أنطق اللسان، إذ ليس نطقها بأغرب من نطق اللسان عقلًا، وكما أنطق الشجرة والشاة المشوية المسمومة، بأن يخلق فيها كلامًا، كما عند أهل السنة.
ووجه تخصيص الثلاثة من الحواس الخمس بالشهادة (٢)، وهي السمع والبصر والجلد التي هي آلة اللمس دون غيرها، وهو الذوق والشمّ؛ لأنّ الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه؛ لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسةً لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتى تصير جلدة الحنك مماسةً لجرم المشموم، فكانا داخلين في جنس اللمس، وإذا عرفت وجه تخصيص الثلاثة بالذكر عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسؤال؛ لأنها قد اشتملت على ثلاث حواس، فكأن تأتي المعصية من جهتها أكثر، وأما على قول من فسّر الجلود بالفروج، فوجه تخصيصها بالسؤال: ظاهر، لأن ما يشهد به الفرج من الزنا أعظم قبحًا، وأجلب للخزي والعقوبة مما يشهد به السمع والأبصار من الجنايات المكتسبة بواسطتهما.
ومعنى الآية (٣): أي واذكر يا محمد لقريش المعاندين لك، حال الكفار يوم القيامة، لعلهم يرتدعون ويزدجرون حين يساقون إلى النار، فيحبس أولهم على
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.