وهو أنّ الله لا يعلم كثيرًا من قبائح أعمالكم ومساويها، هو الذي أوقعكم في مواقع التلف والردى، فصرتم اليوم من الهالكين، إذ صرفتم ما منحتم من أسباب السعادة من القوّة العاقلة، والأعضاء الكاملة إلى الشقاء، فكفرتم نعم الخالق والرازق، وانهمكتم في الشهوات والمعاصي.
أخرج مسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد والطيالسي وعبد بن حميد وابن مردويه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بالله تعالى، فإن قومًا قد أرداهم سوءُ ظنهم بالله، فقال الله: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)﴾ ".
قال العلماء (١): الظنّ قسمان:
١ - حسن، وهو أن يظن بالله عَزَّ وَجَلَّ الرحمة والفضل والإحسان، قال - ﷺ - حكاية عن الله عَزَّ وَجَلَّ: "أنا عند ظنّ عبدي بِي".
٢ - قبيح، وهو أن يظن أن الله يعزب عن علمه بعض الأعمال، وقال قتادة: الظن نوعان: منجٍ ومردٍ.
فالمنجي: قوله: ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (٢٠)﴾، وقوله: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾.
والمردي: هو قوله: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾.
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في هذه الآية: هؤلاء قوم كانوا يدمنون على المعاصي، ولا يتوبون منها، ولا يتكلمون على المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا مفاليس، ثمّ قرأ: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ﴾ الآية، وقال الحسن البصري: إن قومًا ألهتهم الأماني، حتى خرجوا من الدنيا ومالهم حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وقد كذب، ولو أحسن الظن.. لأحسن العمل، وتلا قول الله تعالى: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ﴾ الآية.
٢٤ - ثمّ أخبر عن حالهم فقال: ﴿فَإِنْ يَصْبِرُوا﴾ في النار على العذاب، وأمسكوا عن الاستغاثة والجزع مما هم فيه، انتظارًا للفرج، زاعمين أنّ الصبر مفتاح الفرج