عونًا لنا على النفس وإبليس وسائر الشياطين، ويجعلنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
ومعنى الآية (١): أي وسلَّطنا عليهم أخدانًا وأعوانًا من شياطين الجنّ والأنس، فزيَّنوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا، من الضلالة والكفر واتباع الشهوات، وما خلفهم من أمر الآخرة، فألقوا إليهم أن لا جنّة ولا نار، ولا بعث ولا حساب، إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر، فسهل عليهم فعل ما يشتهون، وركوب كل ما يتلذذون به من الفواحش، ووجب عليهم من العذاب ما وجب على الذين كفروا من قبلهم، ممن فعلوا فعلهم، ثمّ علّل استحقاقهم للعذاب، فقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾؛ أي: لأنَّهم استووا جميعًا في الخسار والدمار، واستحقوا اللعن والخزي في الحياة الدنيا والآخرة.
٢٦ - وبعد أن أخبر عن كفر قوم هود وصالح وغيرهم.. أخبر عن مشركي قريش، وأنهم كذبوا بالقرآن، فقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله من رؤساء المشركين كأبي جهل وأضرابه لأعقابهم وأشقيائهم، أو قال بعضهم لبعض: ﴿لَا تَسْمَعُوا﴾؛ أي: لا تستمعوا ﴿لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ ولا تنصتوا له، وقيل: معنى لا تسمعوا لا تطيعوا، يقال: سمعت لك؛ أي: أطعتك ﴿والْغَوْا﴾؛ أي: ائتوا باللغو والباطل من الكلام الذي لا طائل تحته ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في حال قراءة القارىء له، وعارضوه (٢) بالخرافات، وهي الهذيان والأحاديث التي لا أصل لها، مثل: قصة رستم وإسفنديار، وبإنشاء الأرجاز والأشعار، وبالتصدية والمكاء؛ أي: بالتصفيق والصفير، وارفعوا أصواتكم بها لتشوشوا على القارىء، فيختلط عليه ما يقرؤُه ﴿لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾؛ أي: تغلبونه على قراءته، فيترك القراءة، ولا يتمكن السامع أيضًا من سماعه، أرادوا بذلك التلبيس والتشويش والأذية، وأيضًا خافوا من أنه لو سمعه الناس.. لآمنوا به، وكان ذلك غالبًا شأن أبي جهل وأصحابه وقال أبو العالية وقَعُوا فيه وعَيّبوه، وقال الضحاك: أكثروا الكلام ليختلط عليه ما يقول:
وقرأ الجمهور والفراء (٣): بفتح الغين مضارع لَغِي بكسرها، أو من لغَى بالفتح يلغَى بالفتح أيضًا، كما حكاه الأخفش.

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon