وقرأ عيسى بن عمر وقتادة وأبو حيوة وابن أبي إسحاق والزعفراني بخلاف عنهما، والجحدري وبكر بن حبيب السهمي كذا في "كتاب ابن عطية" وفي "كتاب اللوامح": وأما في "كتاب ابن خالويه" فعبد الله بن بكر السهمي؛ أي: قرؤُوا: بضم الغين، مضارع لغَى بفتحها وهما لغتان، وقال الأخفش: يقال لَغَى يَلْغَى بفتح الغين، وقياسه الضم، لكنه فتح لأجل حرف الحلق، فالقراءة الأولى من يَلْغَى، والثانية من يَلْغُو، وقال صاحب "اللوامح": ويجوز أن يكون الفتح من لغى الشيء يلغى به: إذا رمى به، فيكون ﴿فِيهِ﴾ بمعنى: به؛ أي: ارموا به وانبذوه، وأما معنى الضم؛ أي: أدخلوا فيه اللّغو، واللّغْوُ (١) من الكلام، ما لا يعتد به، وهو الذي لا عن روية وفكر، فيجري مجرى اللغاء، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور.
والمعنى: أي وقال الذين كفروا بالله ورسوله: لا تنصتوا لسماع هذا القرآن وعارضوه باللغو والباطل، وبإنشاد الشعر والأراجيز، حتى تهوشوا على القارىء، لعلكم تغلبون على قراءَته وتميتون ذكره، وقد كان النبي - ﷺ - وهو بمكة، إذا قرأ القرآن.. يرفع صوته، فكان المشركون يطردون الناس عنه، ويقولون: الغوا فيه بالمكاء والصفير وإنشاد الشعر، قال ابن عباس: قال أبو جهل: إذا قرأ محمد.. فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول.
٢٧ - ثم أوعد الكفار بالعذاب الشديد، فقال: ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: فوعزتي وجلالي لنذيقن هؤلاء القائلين واللاغين، أو جميع الكفرة، وهم داخلون فيه دخولًا أوليًا ﴿عَذَابًا شَدِيدًا﴾ في الدنيا، لا يقادر قدره، كما دل عليه التنكير الوصف، وهذا تهديد شديد؛ لأن لفظ الذوق إنما يذكر في القدر القليل، يؤتى به لأجل التجربة، وإذا كان ذلك الذوق، وهو قدر قليل عذابًا شديدًا.. فقس عليه ما يعده ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ في الآخرة ﴿أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي (٢): جزاء سيئات أعمالهم التي هي في أنفسها أسوأ، فإذا كانت أعمالهم أسوأ.. كان جزاؤها كذلك، فالأسوأ قصد به الزيادة المطلقة، وإنما أضيف إلى ما عملوا؛ للبيان والتخصيص، أو المعنى (٣): ولنجزينهم سيئات أعمالهم التي بعضها أسوأ من بعض، بحسب تفاوت مراتبها في الإثم، وأفعل التفضيل ليس على بابه.

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon