ما كانوا يجحدون بآياتنا الحقة، أو يلغون فيها، وذكر الجحود؛ لكونه سببًا للغو، إقامةً للسبب مقام المسبب؛ أي: يجزون جزاءً بسبب جحدهم بآيات الله، قال مقاتل: يعني القرآن، يجحدون أنه من عند الله.
والمعنى: أنهم مخلّدون فيها أبدًا، لا انقطاع لعذابها ولا انتقال منها، فهي جزاء لهم على جحودهم لآياتنا، واستكبارهم عن سماعها.
٢٩ - ثم بين أنهم حين وقوعهم في العذاب الشديد يطلبون الانتقام ممن أضلوهم من شياطين الإنس والجن، فقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: قالوا وهم متقلبون فيما ذكر من العذاب، وذكره بلفظ الماضي؛ تنبيهًا على تخقق وقوعه؛ أي: يقولون: يا ﴿رَبَّنَا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿أَرِنَا﴾؛ أي: أبصرنا الشيطانين ﴿اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾؛ أي: حملانا على الضلال بالتسويل والتزيين ﴿مِنَ﴾ نوعي ﴿الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ لأن الشيطان بين جني وإنسي، بدليل قوله تعالى: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ وقوله تعالى: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ ويقال: أحدهما قابيل بن آدم؛ لأنه أول من سن القتل بغير حق، والذي من الجن إبليس؛ لأنه أول من سن الكفر والشرك، فيكون معنى: ﴿أَضَلَّانَا﴾: سنا لنا الكفر والمعصية، كما في "عين المعاني" ويشهد لهذا القول الحديث المرفوع: "ما من مسلم يقتل ظلمًا.. إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمه؛ لأنه أول من سن القتل" أخرجه الترمذي وغيره، ويروى: أن قابيل شدت ساقاه بفخذيه، يدور مع الشمس حيث دارت، يكون في الشتاء في حظيرة ثلج، وفي الصيف في حظيرة نار. وقيل: المراد: أنهم طلبوا من الله سبحانه أن يريهم من أضلهم من فريق الجن والإنس، من الشياطين الذين كانوا يسولون لهم ويحملونهم على المعاصي، ومن الرؤساء الذين كانوا يزينون لهم الكفر والمعاصي.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أَرِنَا﴾ بكسر الراء، بمعنى: أبصرنا، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر السوسي عن أبي عمرو والمفضل: ﴿أرنا﴾ بسكون الراء تخفيفًا، كفَخْذٍ في فَخِذَ بمعنى أعطِنا هُما، وقرأ الدوري: باختلاس كسرة الراء. وقال الخليل: إذا قلت: أرني ثوبك بكسر الراء.. فمعناه: أبصرنِيهِ، وبالسكون: أعطنيه، وقيل: هما لغتان بمعنى واحد، وشدد ابن كثير النون من ﴿اللذين﴾