﴿نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا﴾؛ أي: ندسُّهما بأقدامنا لنتشفى وننتقم منهما، أو نجعلهما. تحت أقدامنا في النار ﴿لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ فيها مكانًا، وأشد عذابًا منا، أو ليكونا من الأذلين المهانين.
وخلاصة المعنى: ويقول الكافرون يوم القيامة، وهم يتقلبون في العذاب: ربنا أرنا شياطين الإنس والجن الذين أوقعونا في الضلال، نَدُسُّهم تحت أقدامنا، انتقامًا منهم ومهانةً لهم، أو ليكونا مباشرين للنار، ويكونا وقايةً بيننا وبينها، فتخفَّف عنا حرارتها نوعَ خِفةٍ.
٣٠ - ثم لما ذكر سبحانه عقاب الكافرين وما أعده لهم.. ذكر حال المؤمنين وما أنعم عليهم به، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ وحده لا شريك له، اعترافًا بربوبيته، وإقرارًا بوحدانيته، فربُّنا الله من باب: صديقي زيد، يفيدُ الحصرَ ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾؛ أي: ثبتوا على الإقرار بقولهم: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ ومقتضياته بأن لا تزل قدمهم عن طريق العبودية قلبًا وقالبًا ولا تتخطاه، وفيه يندرج كل العبادات والاعتقادات بصفة الدوام إلى وقت الوفاة، فـ ﴿ثُمَّ﴾ للتراخي في الزمان، أو في الرتبة، فإن الاستقامة لها الشأن كله؛ يعني: أن المنتهى وهي الاستقامة، لكونه مقصودًا أعلى حالًا من المبدأ، وهو الإقرار واستقامة الإنسان: لزومه للمنهج المستقيم.
وفي قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾: تعريض لليهود والنصارى؛ لأنهم لم يستقيموا على دينهم، حتى قالوا: ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ و ﴿الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ ونحو ذلك، وكفر بنبوة محمد - ﷺ -. ومن الاستقامة: أن لا يرى المرء النفع والضر إلا من الله، ولا يرجو من أحد دون الله، ولا يخاف أحدًا غيره.
وفي "التأويلات النجمية": تشير الآية إلى يوم الميثاق، لما خوطبوا بقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىَ﴾؛ أي: ربنا الله، وهم الذريات المستخرجة من ظهر آدم عليه السلام، أقروا بربوبيته ثم استقاموا على إقرارهم بالربوبية، ثابتين على أقدام العبودية لما أخرجوا إلى عالم الصورة، ولهذا ذكر بلفظ ﴿ثُمَّ﴾؛ لأنه للتراخي، فأقروا في عالم الأرواح، ثم استقاموا في عالم الأشباح، وهم المؤمنون، بخلاف المنافقين والكافرين، فإنهم أقروا ولم يستقيموا على ذلك.