إليك"، وما أمر - ﷺ - غيره بشيء إلا بعد التخلق به وإخراجه (١) مخرج الجواب عن سؤال من قال: كيف أصنع مع أن الظاهر أن يقول: ﴿فادفع﴾ بـ ﴿الفاء﴾ السببية للمبالغة؟ ولذلك وضع ﴿أَحْسَنُ﴾ موضع الحسنة؛ لأنه أبلغ في الدفع بالحسنة، فإن من دفع بالحسنى.. هان عليه الدفع بما دونها.
ثم بين نتائج الدفع بالحسنى، فقال: ﴿فَإِذَا﴾ فعلت الدفع المأمور به.. صار ﴿الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ﴾ وشحناء؛ ﴿كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾؛ أي: صديق قريب. قال مقاتل: نزلت هذه في أبي سفيان بن حرب، وذلك أنه لان للمسلمين بعد الشدة؛ أي: شدة عداوته للنبي - ﷺ - بالمصاهرة التي جعلت بينه وبين النبي - ﷺ -، ثم أسلم فصار وليا بالإِسلام، حميمًا بالمصاهرة، والأولى حمل الآية على العموم؛ أي: فإذا فعلت ذلك.. صار الذي بينك وبينه عداوة في الدين، كأنه ولي في الدين حميم؛ أي: قريب في النسب؛ أي: صار العدو كالصديق، والبعيد عنك كالقريب منك.
والمعنى (٢): أي إنك إن فعلت ذلك.. انقلبوا من العداوة إلى المحبة، ومن البغض إلى المودة، قال عمر - رضي الله عنه - ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وقال ابن عباس: أمره الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعل الناس ذلك.. عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم.
وروي: أن رجلًا شتم قنبرًا مولى علي بن أبي طالب، فناداه علي: يا قنبر، دع شاتمك والْهُ عنه، ترضِ الرحمن، وتسخط الشيطان، وقالوا: ما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه، ولله در القائل:
وَلَلْكَفُّ عن شَتْمِ اللَّئِيْمِ تَكَرُّمًا | أَضَرُّ لَهُ مِنْ شَتْمِهِ حِيْنِ يُشْتُمُ |
وَمَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَى سَفِيْهٍ | إِذَا سَبَّ الْكَرِيْمَ مِنَ الْجَوَابِ |
مُتَارَكَةُ السَّفِيْهِ بِلَا جَوَابٍ | أَشَدُّ عَلَى السَّفِيْهِ مِنَ السُّبَابِ |
(٢) المراغي.