﴿قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا﴾ قال أبو حيان: والياء فيه: للمبالغة في الوصف، وليس النسب فيه حقيقيًا كأحمري ودراري. قال الرازي في "لوامحه": فهي كياء كرسي وبختي، وفرق بينهما الشيخ، فقال: ليست كياء كرسي وبختي، فإن ياء كرسي وبختي بنيت الكلمة عليها بخلاف أعجمي، فإنهم يقولون: رجل أعجم وعجمي، والأعجمي: هو الذي لا يفصح ولا يفهم كلامة.
﴿يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ أصله: يناديون، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. ﴿مَكَانٍ﴾ أصله: مكون بوزن مفعل اسم مكان، نقلت حركة الواو إلى الكاف، ثم أبدلت الواو ألفًا لتحركها في الأصل وفتح ما قبلها حالًا. ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ مصدر: عمِيَ يعمَى كصدِي يصدى صدًى، هوِي يهوَى هوًى. ﴿وَمَنْ أَسَاءَ﴾ الأصل فيه: أسوأ، بوزن أفعل، نقلت حركة الواو إلى السين، ثم أبدلت ألفًا لتحركها في الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن.
﴿بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾؛ أي: بذي ظلم؛ فظلام: صيغة نسب، كتمار ويقال وخباز، لا صيغة مبالغة، وهذا التقرير أحسن من غيره.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة المكنية في قوله: ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا﴾ وقد تقدم إجراؤها كثيرًا.
ومنها: التجريد في قوله: ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ﴾ وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله، مبالغةً لكماله فيها، وله أقسام.
فمنه: ما يكون بدخول في المنتزع منه كما هنا: ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ﴾؛ أي: في جهنم، وهي دار الخلد، لكنه انتزع منها دارًا أخرى مبالغة.
ومنه: ما يكون بـ ﴿من﴾ التجريدية كقولهم: لي من فلان صديق حميم؛ أي: قد بلغ فلان حدًا من الصداقة، يصح معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها، وله أقسام كثيرة مذكورة في محلها.