ثم ذكر أن قول المشركين يخالف فعلهم، فحين تسألهم من خلق السموات والأرض يقولون: الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره، ثمّ سألهم سؤال تعجيز: هل ما تعبدونه من صنم أو وثن يستطيع أن يكشف ضرًّا أراده الله بأحدٍ، أو يمنع خيرًا قدّره الله لأحد؟ إذًا فالله حسبي وعليه أتوكّل.
وبعد أن أعيت رسوله الحيلة في أمرهم، أمره الله سبحانه أن يقول لهم: اعملوا كما تشاؤون، وعلى نحو ما تحبّون، إنّي عامل على طريقتي، ويوم الحساب ترون المحقّ من المبطل، ومن سيحلّ به العذاب المقيم الذي سيخزيه يوم يقوم الناس لربّ العالمين.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا ذكر محاجّة الرسول - ﷺ - إياهم بالأدلّة القاطعة، والبراهين الساطعة على وحدانيته تعالى (١).. سلّاه على إصرارهم على الكفر الذي كان يعظم عليه وقعه، كما قال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ وقال: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ وأزال عن قلبه الخوف، فأعلمه أنه أنزل عليه الكتاب بالحق، وأنه ليس عليه إلّا إبلاغه، فمن اهتدى فنفع ذلك عائد إليه، ومن ضلّ فضير ضلاله عليه، وما وكل عليهم ليجبرهم على الهدى.
ثمّ ذكر أنّه تعالى يقبض الأرواح حين انقضاء آجالها، ويقطع صلتها بها، ظاهرًا وباطنًا، أو ظاهرًا فقط حين النوم، فيمسك الأولى ولا يردّها إلى البدن، ويرسل الثانية إلى البدن حين اليقظة، وفي ذلك دلائل على القدرة لمن يتفكر ويتدبر.
ثُمَّ أبان أنّ هذه الأصنام التي اتخذت شفعاء لا تملك لنفسها شيئًا، ولا تعقل شيئًا، فكيف تشفع؟ وبعدئذ ذكر مقابحهم ومعايبهم، وأنه إذا قيل: لا إله إلّا الله وحده.. ظهرت آثار النفرة في وجوههم، وإذا ذكرت الأصنام.. ظهرت علامات الفرح والسرور فيها، وهذا منتهى الجهل والحمق الشديد.