﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ﴾ ويكتسب ﴿حَسَنَةً﴾؛ أي حسنة (١) كانت سيما مودة قربى رسول الله - ﷺ -، وعن السدي: أنها المودة في آل رسول الله - ﷺ -، نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، ومودته فيهم، والظاهر العموم في أي حسنة كانت إلا أنها تتناول المودة تناولًا أوليًا لذكرها عقب ذكر المودة في القربى؛ أي: ومن يكتسب حسنة واحدة، ولو مثقال ذرة ﴿نَزِدْ لَهُ﴾؛ أي: لذلك العامل ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في جزاء تلك الحبسنة ﴿حُسْنًا﴾؛ أي: فضلًا وزيادة على قدر ما يستحقه، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، فما فوق، كقوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿نَزِدْ لَهُ﴾ بالنون، وقرأ زيد بن علي وعبد الوارث عن أبي عمرو وأحمد بن جبير عن الكسائي: ﴿يزد﴾ بالياء؛ أي: يزد الله. وقرأ الجمهور: ﴿حُسْنًا﴾: بالتنوين، وعبد الوارث عن أبي عمرو: ﴿حسنى﴾ بغير تنوين، على وزن رجعى وبشرى، وزيادة حسنها مضاعفة أجرها.
والمعنى (٣): أي ومن يعمل عملًا فيه طاعة الله ورسوله، نزد له فيه أجرًا وثوابًا، فنجعل له مكان الحسنة عشرة أمثالها، إلى سبع مئة ضعف إلى ما فوق ذلك، فضلًا منا ورحمة. ونحو الآية قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿غَفُورٌ﴾؛ أي: كثير المغفرة للمذنبين ﴿شَكُورٌ﴾؛ أي: كثير الشكر للمطيعين بتوفيقه الثواب، والتفضل عليه بالزيادة، فالشكر (٤) من الله مَجَازٌ عن هذا المعنى؛ لأن معناه الحقيقي، وهو فعل ينبيء عن تعظيم المنعم، لكونه منعمًا لا يتصور من الله سبحانه، لامتناع أن ينعم عليه أحد، حتى يقابل بالشكر، شبهت الإثابة والتفضل بالشكر، من حيث إن كل واحد منهما يتضمن الاعتداد بفعل الغير، وإكرامًا لأجله؛ أي: إنه تعالى يغفر الكثير من

(١) النسفي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon