إلى الخيانة: لعل الله خذلني لعل الله أعمى بصيرتي، لا يريد بمقاله إثبات الخذلان وعمى القلب، بل يريد استبعاد الخيانة من مثله، وأن من نسبه إلى ذلك فقد ركب شططًا وأتي أمرًا إدّا، وقال قولًا نكرًا.
ثم أكد استبعاد إلافتراء منه وزاده إيضاحًا، فقال: ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ استئناف مقرر لنفي الافتراء غير معطوف على ﴿يَخْتِمْ﴾ كما ينبىء عنه إظهار الاسم الجليل، وصيغة المضارع.
فائدة (١): وكتب ﴿يمح﴾ في المصحف بحاء مرسلة، كما كتبوا، (ويدع الإنسان)، و (يدع الداع) و (سندع الزبانية)، مما ذهبوا فيه إلى الحذف، والاختصار نظرًا إلى اللفظ، وحملًا للموقف على الوصل. يعني: أن سقوط الواو لفظًا لالتقاء الساكنين، حال الوصل، وخطًا أيضًا، حملًا للخط على اللفظ؛ أي: على أنه خلاف القياس، وليس سقوطها منه، لكونه مجزومًا بالعطف على ما قبله، لاستحالة المعنى؛ لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقًا لا معلقًا بالشرط.
والمعنى: كيف يكون منه الافتراء على الله، وقد جرت عادته تعالى، أن يمحو الباطل ويمحق الشرك، ويثبت الحق والإِسلام والتوحيد بكلماته؛ أي: بقضائه أو بوحيه. أو بما أنزله من القرآن. وينشره بين الناس، وها هو ذا يزداد ما أوتيه محمد - ﷺ - كل يوم قوة وانتشارًا، فلو كان مفتريًا كما تدعون، لكشف افتراءه ومحقه، وقذف بالحق على باطله فدمغه.
وقد يكون المعنى: أن هذه عدة من الله لرسوله بالنصر، ويكون المراد يمحو الله باطلهم وما بهتوك به. ويثبت الحق الذي أنت عليه بقضائه، الذي لا مرد له فيكون هذا كلامًا معترضًا بين ما قبله وما بعده، مؤكدًا لما سبق من الكلام، من كونهم مبطلين في نسبة الافتراء إلى من هو أصدق الناس حديثًا.
﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾؛ أي: عالم بما في قلب العباد؛ أي: بما تضمره القلوب، فيجري عليها أحكامها اللائقة بها، من المحو

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon