من المصائب ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ يدفعها عنكم، أو يمنعكم من عذاب الله، في الدنيا والآخرة.
والمعنى (١): أي وما لكم من دون الله ولي يليكم، بالدفاع عنكم، إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم، ولا لكم نصير ينصركم، إذا هو عاقبكم فينتصر لكم، فاحذروا معاصيه، واتقوا مخالفة أوامره، فإنه لا دافع لعقوبته إذا أحلها بعبد من عباده.
٣٢ - ثم ذكر سبحانه، آية أخرى من آياته العظيمة، الدالة على توحيده، وصدق ما وعد به، فقال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾؛ أي: ومن دلائل قدرته وباهر حكمته وعظيم سلطانه ﴿الْجَوَارِ﴾؛ أي: السفن الجارية ﴿فِي الْبَحْرِ﴾؛ أي: في الماء الكثير العميق؛ أي: تسخيره البحر، لتجري فيه الفلك بأمره، حالة كون تلك الجواري ﴿كَالْأَعْلَامِ﴾ في عظمها وارتفاعها؛ أي: كالجبال الشاهقة، والمدن العالية.
أي (٢): ومن دلائل قدرته تعالى، السفن الجارية في البحر، لما فيها من عظيم دلائل القدرة، من جهة أن الماء جسم لطيف، شفاف، يغوص فيه الثقيل، والسفن تشخص بالأجسام الثقيلة الكثيفة. ومع ذلك جعل تعالى، للماء قوة يحملها بها، ويمنع من الغوص، ثم جعل الرياح سببًا لسيرها، فإذا أراد أن ترسو، أسكن الريح فلا تبرح عن مكانها، والجواري جمع جارية، وأصله: السفن الجواري، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وحسن ذلك قوله: ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ فدل ذلك على أنها صفة للسفن. وإلا فهي صفة غير مختصة. فكان القياس أن لا يحذف الموصوف، ولا يقام مقامه. ويمكن أن يقال: إنها صفة غالبة، كالأبطح فجاز أن تلي العوامل، بغير ذكر الموصوف، وقرىء ﴿الجواري﴾ بالياء ودونها، وسمع من العرب الإعراب في الراء. و ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ متعلق بالجواري، و ﴿كَالْأَعْلَامِ﴾ في موضع الحال، والأعلام: الجبال، ومنه قول الخنساء:

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon