وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِيْ رَأْسِهِ نَارُ
قال الخليل: كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم. وقال مجاهد: الأعلام القصور، واحدها علم.
٣٣ - ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ الله سبحانه وتعالى. وهو شرط، جوابه قوله: ﴿يُسْكِنِ الرِّيحَ﴾ التي تجريها ﴿فَيَظْلَلْنَ﴾؛ أي: فيصرن (١) تلك السفن من ظل، بمعنى صار، أي: يصرن تلك السفن، بعدما كانت جواري بريح طيبة ﴿رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾؛ أي: ثوابت على ظهر البحر. غير جاريات ولا متحركات أصلًا.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿يَشَأْ﴾ بالهمزة، وقرأ ورش عن نافع بلا همزة، وقرأ جمهور السبعة: ﴿الرِّيحَ﴾: بالإفراد، وقرأ نافع ﴿الرياح﴾ بالجمع، وقرأ الجمهور: ﴿فَيَظْلَلْنَ﴾: بفتح اللام الأولى، وقرأ قتادة بكسرها، وهي لغة قليلة، والقياس الفتح لأن الماضي بكسر العين، فالكسر في المضارع شاذ.
والمعنى: إن يشأ الله، الذي قد أجرى هذه السفن في البحر، أن لا تجري فيه، أسكن الريح التي تجري بها، فتثبت في موضع واحد، وتقف على ظهر الماء، لا تتقدم ولا تتأخر.
ثم أتى بجملة معترضة بين ما مضى وما سيأتي فقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الذي ذكر من أمر السفن، اللاتي يجرين تارة، ويركدن تارة أخرى، على حسب مشيئة الله تعالى ﴿لَآيَاتٍ﴾ عظيمة في أنفسها، كثيرة في العدد، دالة على ما ذكر من شؤونه ﴿لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾؛ أي: لكل من كان كثير الصبر على احتمال البلايا في طاعة الله تعالى ﴿شَكُورٍ﴾؛ أي: كثير الشكر على نعمائه، باستعمال كل عضو من الأعضاء، فيما خلق له، قال قطرب: نعم العبد الصبار الشكور، الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، قال عون بن عبد الله:
فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ غَيْرُ شَاكِرِ وَكَمْ مِنْ مُبتَلَىً غَيْرُ صَابِرِ
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني والبحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon