السبيل، فقال: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ﴾ بالمعاقبة والمؤاخذة ﴿عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾؛ أي: يبتدئونهم بالإضرار، أو يعتدون في الانتقام ﴿وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: يعملون في الأرض البغي والعدوان والإفساد بقتل الأنفس، وأخد الأموال ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾؛ أي: بلا حق يكون لهم في ذلك، كذا قال الأكثر، وقال مقاتل: بغيهم عملهم بالمعاصي، وقيل: يتكبرون ويتجبرون ويتطاولون على الناس، وقيل: ظلم الناس صدُّهم عن سبيل الله، وبغيهم: أخذ أموالهم، وقتل أنفسهم بلا حق يكون لهم في ذلك، قيل (١): ويظلمون الناس، أي: يضعون الأشياء في غير مواضعها، من القتل وأخذ الأموال، والأذى باليد واللسان، والبغي بغير الحق، فهو نوع من أنواع الظلم، خصه بالذكر تنبيهًا على شدته، وسوء حال صاحبه.
والمعنى: أي إنما الحرج والإثم على الذين يبتدئون الناس بالظلم، أو يزيدون في الانتقام ويتجاوزون ما حد لهم، أو يتكبرون في الأرض تجبرًا وفسادًا ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بما ذكر من الظلم، والبغي بغير الحق ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: مؤلم بسبب بغيهم وظلمهم.
٤٣ - ثم رغب سبحانه وتعالى في الصبر والعفو، فقال: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ﴾ على الأذى، معطوف على قوله: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾. وجملة قوله: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ﴾ إلخ. اعتراض، اهـ "سمين". واللام فيه للابتداء، و ﴿من﴾ موصولة مبتدأ ﴿وَغَفَرَ﴾؛ أي: عما لمن ظلمه ولم ينتصر، وفوض أمره إلى الله تعالى، وكرره اهتمامًا بالصبر، ترغيبًا فيه، والصبر هنا: هو الإصلاح المتقدم. فأعيد هنا، وعبر عنه بالصبر؛ لأنه من شأن أولي العزم، وأشار إلى أن العفو المحمود ما نشأ عن التحمل لا عن العجز، اهـ "شهاب".
﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ المذكور من الصبر والمغفرة ﴿لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾؛ أي: من معزومات الأمور ومهماتها وواجباتها؛ أي: من الأمور التي يجب عزم العبد عليها بإيجابها على نفسه، وتصميم قلبه عليها. لكونه من الأمور المحمودة عند

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon