يسحبون على وجوههم، أو لأنهم يحشرون عميًّا، فينظرون كنظر الأعمى إذا خاف حسًا، يقول الفقير: لا حاجة إلى حمل الآية على ما ذكر من الوجهين؛ لأن لهم يوم القيامة أحوالًا شتى، بحسب المواطن، فكل من النظر والسحب والحشر أعمى، ثابت صحيح. وقال يونس (١): إن ﴿مِنْ﴾ في ﴿مِنْ طَرْفٍ﴾ بمعنى الباء؛ أي: ينظرون بطرف ضعيف من الذل والخوف، وبه قال الأخفش.
وفي الآية: إشارة إلى أن النفوس التي لم تقبل الصلاح بالعلاج في الدنيا، تتمنى الرجوع إلى الدنيا يوم القيامة، لتقبل الصلاح، بعلاج الرياضات الشرعية، وتخشع، إذ لم تخشع في الدنيا من القهّار، فلا تنفعها ندامة، ولا تسمع منها دعوة، ولها نظر من طرف خفي، من خجالة المؤمنين، إذ يعيرونها بما ذكروها، فلم تسمع وهي نفوس الظالمين.
وحاصل المعنى (٢): أي وترى الكافرين بالله، حين يعاينون العذاب يوم القيامة، يتمنون الرجعة إلى الدنيا، ويقولون: هل من رجعة لنا إليها، وتراهم أيضًا في ذلك اليوم، يعرضون على النار وهم خاشعون أذلاء؛ لأنهم عرفوا ذنوبهم وانكشف لهم عظمة من عصوه يسارقون النظر إليها خوفًا منها، وحذرًا من الوقوع فيها، كما ينظر من قدم للقتل إلى السيف، فلا يقدر أن يملأ عينيه منه، وإنما ينظر ببعضها.
ولما وصف حال الكفار، حكى ما يقوله المؤمنون فيهم، فقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وجاهدوا في الله تعالى حق جهاده، وربحوا على ربهم، وصيغة الماضي للدلالة على التحقق ﴿إِنَّ الْخَاسِرِينَ﴾؛ أي: المتصفين بحقيقة الخسران، وهو انتقاص رأس المال، وينسب إلى الإنسان فيقال: خسر فلان، وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته، ويستعمل ذلك في القنيات الخارجة، كالمال والجاه في الدنيا، وهو الأكثر. وفي القنيات النفيسة، كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب، وهو الذي جعله الله سبحانه الخسران، وكل خسران ذكره الله في القرآن

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon