وعرف الذكور للمحافظة على الفواصل، أو لجبر التأخير، يعني: أن الله تعالى أخر الذكور، مع أنهم أحقاء بالتقديم، فتدارك تأخيرهم بتعريفهم؛ لأن في التعريف العهدي تنويهًا وتشهيرًا، كأنه قيل: ويهب لمن يشاء الفرسان، الأعلام، الذين لا يخفون عليكم. وفي الحديث: "إن أولادكم هبة الله لكم، يهب لمن يشاء إناثًا، ويهب لمن يشاء الذكور، وأموالهم لكم إن احتجتم إليها".
٥٠ - ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ﴾؛ أي: يقرن بين الإناث والذكور، فيجعلهم ﴿ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ فيصير أولاده ذكرانًا وإناثًا، فيهبهما جميعًا لمن يشاء، بأن يولد له الذكور والإناث، مثل ما وهب لنبينا محمد - ﷺ -، إذ كان له من البنين ثلاثة على الصحيح، قاسم، وعبد الله، وإبراهيم. ومن البنات أربع: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عنهن. قال مجاهد: معنى يزوجهم: هو أن تلد المرأة غلامًا، ثم تلد جارية. ثم تلد غلامًا، ثم تلد جارية، وقال محمد بن الحنفية: هو أن تلد توأمًا، غلامًا وجارية ﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ لا يولد له ذكر ولا أنثى، فـ ﴿مَنْ﴾ عبارة عن الرجل والمرأة. فلا يلد ولا تلد. والعقيم: الذي لا يولد له، يقال: رجل عقيم؛ أي: لا يولد له، وامرأة عقيم؛ أي: لا تلد، كما في عيسى ويحيى عليهما السلام، فإنهما ليس لهما أولاد، أما عيسى فلم يتزوج، وإن كان يتزوج حين نزوله في آخر الزمان، ويكون له البنات كما قيل: وأما يحيى فقد تزوج، ولكن لم يقرب لكونه عزيمةً في شريعته، وبعضهم لم يكن له أولاد، وإن حصل له قربان النساء.
ومعنى الآية: (١) أي يخلق ما يشاء، فيرزق من يشاء البنات فحسب، ويرزق من يشاء البنين فحسب، ويعطي من يشاء الزوجين الذكر والأنثى، ويجعل من يشاء لا نسل له، وفي هذا إيماء إلى أن الملك ملكه من غير منازع ولا مشارك، يتصرف فيه كيف يشاء، ويخلق ما يشاء، فليس لأحد أن يعترض عليه، أو يدبر بحسب هواه، وتصرفه لا يكون إلا على أكمل وجه وأتم نظام، وقد قيل: ليس في الإمكان أبدع مما كان ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿عَلِيمٌ﴾ بمن يستحق كل نوع من هذه

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon