هشام رضي الله عنه سأل رسول الله - ﷺ -، فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله - ﷺ -: "أحيانًا يأتيني مثل صلصة الجرس، وهو أشده عليَّ، فيفصم عني، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني، فأعي ما يقول"، قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي، في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد يسيل عرقًا.
قال الزجاج: المعنى أن كلام الله للبشر، إما أن يكون بإلهام يلهمهم، أو يكلمهم من وراء حجاب، كما كلم موسى، أو برسالة ملك إليهم، وتقدير الكلام: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي وحيًّا، أو يكلمه من وراء حجاب، كما كلم موسى، أو يرسل رسولًا. وقرأ الجمهور: ﴿حِجَابٍ﴾: مفردًا. وابن أبي عبلة ﴿حجبًا﴾: جمعًا. وقرأ الجمهور بنصب ﴿أَوْ يُرْسِلَ﴾، وبنصب ﴿فَيُوحِيَ﴾ على تقدير أن، وتكون أن وما دخلت عليه معطوفين على وحيًّا، ووحيًا في محل الحال والتقدير: إلا موحيًا، أو مرسلًا، ولا يصح عطف ﴿أَوْ يُرْسِلَ﴾ على ﴿أَنْ يُكَلِّمَهُ﴾؛ لأنه يصير التقدير: وما كان لبشر أن يرسل رسولًا، وهو فاسد لفظًا ومعنى. وقرأ نافع وأهل المدينة ﴿أو يرسل رسولًا فيوحي﴾. بالرفع فيهما، على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أو هو يرسل. وجملة قوله: ﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ﴾؛ أي: متعال عن صفات المخلوقين؛ لا يأتي جريان المفاوضة بينه تعالى وبينهم إلا بأحد الوجوه المذكورة ﴿حَكِيمٌ﴾ يفعل ما تقتضيه حكمته، فيكلمه تارة بواسطة، وتارة بغير واسطة، إما إلهامًا، وإما خطابًا من وراء حجاب تعليل لما قبلها.
٥٢ - قال المفسرون: فلما قالت اليهود للنبي - ﷺ -: ألا تكلم الله وتنظر إليه، إن كنت نبيًا كما كلمه موسى، نزل قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ والكاف صفة لمصدر محذوف. والروح (١): هو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان، حيث يحييها حياة طيبة؛ أي: يحصل لها به ما هو مثل الحياة،

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon