قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أن المشركين منهمكون في كفرهم، وإعراضهم عما جاء به القرآن، من توحيد الله تعالى والبعث.. أبان هنا أن أفعالهم تخالف أقوالهم، فإن سألتهم عن الخالق لهذا الكون، من سمائه وأرضه ليقولن الله، وهم مع اعترافهم به يعبدون الأصنام والأوثان، ثم ذكر سبحانه وتعالى جليل أوصافه، فأرشد إلى أنه هو الذي جعل الأرض فراشًا، وجعل فيها طرقًا لتهتدوا بها في سيركم، ونزل من السماء ماء بقدر الحاجة، يكفي زرع النبات وسقي الحيوان، وخلق أصناف المخلوقات، من حيوان ونبات، وسخر لكم السفن والدواب لتركبوها، وتشكروا الله على ما آتاكم، وتقولوا لولا لطف الله بنا ما كنا لذلك بمطيقين، وإنا يوم القيامة إلى ربنا راجعون، فيجازي كل نفس بما كسبت إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أنهم يعترفون بالألوهية، وأنه خالق السموات والأرض.. أردف هذا ببيان أنهم متناقضون مكابرون، فهم مع اعترافهم لله بخلق السموات والأرض، يصفونه بصفات المخلوقين، المنافية لكونه خالقًا لهما، إذ جعلوا الملائكة بنات له، ولا غرو، فالإنسان من طبعه الكفران، وجحود الحق، ومن عجيب أمرهم أنهم أعطوه أخس صنفي الأولاد، وما لو بشر به أحدهم اسودَّ وجهًا وامتلأ غيظًا، ومن يتربى في الزينة، وهو لا يكاد يبين حين الجدل، فلا يظهر حجة، ولا يؤيد رأيًا، واختاروا لأنفسهم الذكران، ثم أعقبه بالنعي عليهم في جعلهم الملائكة إناثًا، وزاد في الإنكار عليهم ببيان أن مثل هذا الحكم لا يكون إلا عن مشاهدة، فهل هم شهدوا ذلك، ثم توعدهم على هذه المقالة، وأنه يوم القيامة يجازيهم بها.
ثم حكي عنهم شبهة أخرى، قالوا لو شاء الله أن لا نعبد الملائكة ما عبدناها، لكنه شاء عبادتها، لأنها هي المتحققة فعلًا، فتكون حسنة، ويمتنع