وناقة الله، فأشار بهذه الأسماء الثلاثة، حيث جعلت في داخل الكعبة، المشار بها إلى الذات الأحدية، إلى أن مقتضى الذات هو الرحمة، والعطاء في الدنيا، والمجازاة والمكافأة في الآخرة، وبرحمته أنزل القرآن،
٢ - كما قال مقسمًا به: ﴿وَالْكِتَابِ﴾ بالجر على أنه مقسم به، إما ابتداء أو عطفًا على ﴿حم (١)﴾ على تقدير كونه مجرورًا بإضمار باء القسم، على أن مدار العطف المغايرة في العنوان، ومناط تكرير القسم المبالغة في تأكيد مضمون الجملة القسمية، ومعنى إقسام الله بالأشياء: استشهاده بما فيها من الدلالة على المقسم عليه، اهـ "بيضاوي". ﴿الْمُبِينِ﴾؛ أي: البين لمن أنزل عليهم، لكونه بلغتهم وعلى أساليبهم، فيكون من أبان بمعنى بان؛ أي: ظهر، أو المبين لطريق الهدى من طرق الضلالة، الموضح لكل ما يحتاج إليه في أبواب الديانة، فيكون من أبان بمعنى أظهر وأوضح.
وقال سهل: بين فيه الهدى من الضلالة، والخير من الشر، وبين سعادة السعداء، وشقاوة الأشقياء، وقال بعضهم (١): المراد بالكتاب: الخط والكتابة، يقال: كتبه كتبًا وكتابًا خطه، أقسم به تعظيمًا لنعمته فيه، إذ فيه كثرة المنافع، فإن العلوم إنما تكاملت بسبب الخط والكتابة، فالمتقدم إذا استنبط علمًا وأثبته في كتاب، وجاء المتأخر وزاد عليه، تكاثرت به الفوائد، يقول الفقير: لعل السبب في حمل الآية على هذا المعنى الغير الظاهر، لزوم اتحاد المقسم به والمقسم عليه، على تقدير حملها على القرآن، وليس بذلك، كما سيأتي،
٣ - وجواب القسم قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ﴾؛ أي: أقسمت لك بالكتاب المبين، إنا صيرنا ذلك الكتاب ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ بإنزاله بلغة العرب ولسانها، ولم نصيره أعجميًا بإنزاله بلغة العجم، مع كونه كلامنا وصفتنا قائمة بذاتنا، عرية عن كسوة العربية، منزهة عنها وعن توابعها ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾؛ أي: لكي تفهموا القرآن العربي، وتحيطوا بما فيه من النظم الرائق، والمعنى الفائق، ولتقفوا على ما تضمنه من الشواهد الناطقة بخروجه عن طوق البشر، وتعرفوا حق النعمة في ذلك، وتنقطع أعذاركم بالكلية،