الأولوية.
والمعنى: أي (١) وكثيرًا ما أرسلنا في الأمم الغابرة رسلًا قبلك، كما أرسلناك إلى قومك قريش، وكلما أتى نبي أمته يدعوهم إلى الهدى وطريق الحق، استهزؤوا به، وسخروا منه، كما يفعل قومك بك، فقومك ليسوا ببدع في الأمم، ولا أنت بباع في الرسل، فلا تأس على ما تجد منهم، ولا يشقن ذلك عليك، فهم قد سلكوا سبيل من قبلهم، واحتذوا حذوهم، ونهجوا نهجهم حذو القذة بالقذة، وكن كما كان أولو العزم من الرسل، واصبر كما صبروا على ما أوذوا في سبيل الله.
ثم ذكر عقبى تكذيبهم واستهزائهم برسله، تسلية لرسوله وتحذيرًا لهم، فقال: ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا﴾؛ أي: فأهلكنا المكذبين بالرسل، ولم يقدروا على دفع بأسنا إذ أتاهم، وقد كانوا أشد بطشًا من قومك، وأشد قوة، فأحرى بهؤلاء أن لا يعجزونا، ونحو الآية: قوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ الآية. ﴿وَمَضَى﴾؛ أي: سلف، وسبق في القرآن غير مرة ﴿مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: ذكر صفتهم وبيان قصتهم وخبرهم وشديد عقوبتهم، التي حقها أن تسير مسير المثل، كقوم نوح، وعاد، وثمود، وغيرهم.
وفي هذا كما مر، تهديد شديد؛ لأنه يتضمن أن الأولين أهلكوا بتكذيب الرسل، وهؤلاء إن استمروا على تكذيبك والكفر بما جئت به، هلكوا مثلهم، وفي الآية (٢) إشارة إلى كمال ظلومية نفس الإنسان وجهوليته، وكمال حلم الله سبحانه وكرمه، وفضل ربوبيته، بأنهم وإن بالغوا في إظهار أوصافهم الذميمة، وأخلاقهم اللئيمة، بالاستهزاء من الأنبياء والمرسلين، والاستخفاف بهم إلى أن كذبوهم، وسعوا في قتلهم من أهل الأولين والآخرين، وكذلك يفعل أهل كل زمان مع ورثة الأنبياء، من العلماء العاملين الناصحين لهم، والداعين إلى الله،
(٢) روح البيان.