وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر: أن رسول الله - ﷺ - كان إذا سافر ركب راحلته، ثم كبر ثلاثًا، ثم قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾. قال القرطبي: علمنا (١) سبحانه وتعالى ما نقول، إذا ركبنا الدواب، وعرفنا في آية أخرى على لسان نوح عليه السلام ما نقول إذا ركبنا السفن، فكم من راكب دابة عثرت به، أو شمست، أو تقحمت (٢) أو طاح عن ظهرها، فهلك، وكم من راكب سفينة انكسرت به فغرق.
فلما كان الركوب مباشرة أمر محظور، واتصالًا بسبب من أسباب التلف، أمر أن لا ينسى عند اتصاله به موته، وأنه هالك لا محالة، فمنقلب إلى الله عز وجل، غير منفلت من قضائه، ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه، حتى يكون مستعدًا للقاء الله والحذر من أن يكون ركوبه ذلك، من أسباب موته في علم الله، وهو غافل عنه، انتهى.
١٥ - ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار، الذين تقدم ذكرهم، فقال: ﴿وَجَعَلُوا﴾؛ أي: وجعل بعض مشركي العرب ﴿لَهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾ ومخلوقاته، والمراد بالعباد: الملائكة، وهو حال من ﴿جُزْءًا﴾؛ أي بنات وإناثًا، والجاعلون (٣) هم قبائل من العرب قالوا: إن الله صاهر الجن فولدت له الملائكة وقال بعضهم: الآية ردٌّ علي بني مليح حيث قالوا: الملائكة بنات الله ومليح بالحاء المهملة مصغرًا كزبير حي من خزاعة كما في "القاموس" والجعل هنا بمعنى الحكم بالشيء والاعتقاد به قال في "القاموس": الجزء البعض، وأجزأت الأم ولدت الإناث.
﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾؛ أي: إناثًا انتهى. وإنما عبر عن الولد بالجزء لأنه بعض أبيه وجزء منه كما قال - ﷺ -: "إن فاطمة مني"؛ أي: قطعة منى وقال

(١) القرطبي.
(٢) يقال: تقحم الفرس براكبه إذا ألقاه على وجهه.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon