حكاها ابن خالويه، قال: وهي في مصحف ابن مسعود كذلك، والنصب على إضمار فعل، أي: الذين هم خلقوا عباد الرحمن، وأنشؤوا عباد الرحمن إناثًا، وقرأ أبي: ﴿عبد الرحمن﴾ مفردًا، ومعناه الجمع؛ لأنه اسم جنس.
وقد رد الله سبحانه وتعالى مقالهم، فقال: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾ والهمزة للاستفهام الإنكاري، وهو من الشهود (١) بمعنى الحضور، لا من الشهادة؛ أي: أحضروا خلق الله تعالى إياهم، فشاهدوهم إناثًا حتى يحكموا بأنوثتهم، فإن ذلك إنما يعلم بالمشاهدة، وهو تجهيل لهم وتهكم بهم، فإنهم إنما سمعوه من آبائهم، وهم أيضًا كذابون جاهلون، وفيه تخطئة للمنجمين، وأهل الحكمة المموهة في كثير من الأمور، فإنهم بعقولهم القاصرة حكموا على الغيب.
قال العماد الكاتب: أجمع المنجمون في سنة اثنتين وثمانين، وخمس مئة في جميع البلاد، على خراب العالم في شعبان، عند اجتماع الكواكب الستة، في الميزان، بطوفان الريح، وخوفوا بذلك ملوك الأعاجم والروم، فشرعوا في حفر مغارات، ونقلوا إليها الأزواد، والماء، وتهيؤوا، فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون، بمثل ريح عاد، ونحن جلوس عند السلطان، والشموع تتوقد فلا تتحرك، ولم نر ليلة في ركودها مثلها.
ونحو الآية قوله: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠)﴾ وفي هذا تجهيل لهم، ورمي لهم بالسفه والحمق، وقرأ الجمهور (٢): ﴿أَشَهِدُوا﴾: بهمزة الاستفهام، داخلة على شهدوا، ماضيًا مبنيًا للفاعل؛ أي: أحضروا خلقهم، وليس ذلك من شهادة تحمل المعاني التي تطلب أن تؤدى، وقرأ نافع بهمزة استفهام، داخلة على أشهدوا رباعيًا، مبنيًا للمفعول ﴿أشهدوا﴾: بلا مد بين الهمزتين، ورُوي عنه بمدة بينهما، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد، وفي رواية أبي عمرو، ونافع بتسهيل الثانية بلا مد، وقرأ جماعة كذلك بمد بينهما، وعن علي والمفضل عن عاصم، تحقيقهما بلا مد، وقرأ الزهري وناس
(٢) البحر المحيط.