فإن قلت: قال هنا: ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ بزيادة سين التسويف، وقال في الشعراء: ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧)﴾ بلا زيادة سين الاستقبال، فما الفرق بين الموضعين.
قلت: زاد السين للتأكيد؛ لأن المقام قام التبرُّؤ من عبادة الأصنام، فهو أْشد حاجة إلى التأكيد، وما في الشعراء بيان لعداوة الأصنام له، فلا حاجة إلى التأكيد، هكذا ظهر الفرق لي بعد تأمل شديد، والله أعلم باسرار كتابه.
٢٨ - ﴿وَجعَلَهَا﴾؛ أي (١): وجعل إبراهيم كلمة التوحيد، التي كان ما تكلم به من قوله: إنني براء إلى سيهدين عبارةً عنها، يعني: أن البراءة من كل معبود سوى الله تعالى، توحيد للمعبود بالحق، وقول بلا إله إلا الله ﴿كَلِمَةً بَاقِيَةً﴾؛ أي: دائمة مستمرة جارية ﴿فِي عَقِبِهِ﴾ وذريته حيث وصاهم بها، كما نطق به قوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ﴾ الآية، فالقول المذكور بعد الخروج من النار، وهذا الجعل بعد حصول الأولاد الكبار، فلا يزال فيهم نسلًا بعد نسل، من يوحد الله سبحانه، ويدعو إلى توحيده، وتفريده إلى قيام الساعة، وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ علة (٢) للجعل، والضمير للعقب، وإسناد الرجوع إليهم من وصف الكل بحال الأكثر، والترجي راجع إلى إبراهيم عليه السلام؛ أي: جعلها باقيةً في عقبه وخلفه، رجاء أن يرجع إليها من أشرك منهم بدعاء الموحد منهم.
فائدة: قال بعضم في سبب تكريم وجه علي بن أبي طالب؛ بأن يقال: كرم الله وجهه، أنه نقل عن والدته فاطمة بنت أسد بن هاشم: أنها كانت إذا أرادت أن تسجد للصنم، وهو في بطنها، يمنعها من ذلك. وقرأ حميد بن قيس ﴿كلمة﴾ بكسر الكاف وسكون اللام، وقرىء ﴿في عقبه﴾ بسكون القاف؛ أي: في ذريته، وقرىء ﴿في عاقبه﴾؛ أي: من عقبه؛ أي: من خلفه، ذكره في "البحر".

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon