ألست تزعم أن عيسى كان نبيًا وعبدًا صالحًا، وقد عبد من دون الله، فأنزل الله ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا...﴾ الآية.
قال الواحدي (١): وأكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في مجادلة عبد الله بن الزِّبَعْرَى السهمي، مع النبي - ﷺ - لما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾.. قال ابن الزِّبَعْرَى: خصمتك ورب الكعبة، أليست النصارى يعبدون المسيح واليهود عزيرًا، وبنو مليح الملائكة، ففرح قومه بذلك من قوله فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، ونزلت هذه الآية المذكورة هنا. وقد مضى هذا في سورة الأنبياء، ولا يخفاك أن ما قاله ابن الزبعرى مندفع من أصله، وباطل برمته، فإن الله سبحانه قال: إنكم وما تعبدون، ولم يقل: ومن تعبدون حتى يدخل في ذلك العقلاء، كالمسيح، وعزير، والملائكة.
قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ...﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية (٢): ما أخرجه ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها قرشيان، وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، فقال واحد منهم: ترون الله يسمع كلامنا، فقال آخر: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع، فنزلت هذه الآية: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ...﴾ الآية.
التفسير وأوجه القراءة
٥٧ - ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ﴾ وجعل عيسى ﴿ابْنُ مَرْيَمَ﴾ عليه السلام ﴿مَثَلًا﴾؛ أي: مثالًا ومشابها للأصنام، من حيث إن النصارى اتخذوه إلهًا، وعبدوه من دون الله؛ أي: ضربه عبد الله بن الزبعرى السهمي مثلًا لأصنامهم، كان من مردة قريش قبل أن يسلم. قال في "القاموس": الزِّبَعْرَى بكسر الزاي وفتح الباء والراء والد عبد الله الصحابي القرشي الشاعر، انتهى. ومعنى ضربه مثلًا أي (٣): جعله مثالًا ونظيرًا

(١) الشوكاني.
(٢) لباب النقول.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon